للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى هده السنه نقل السلطان الملك الصالح الى تربته ومدرسته بالقاهره، وعمل عزاه جديدا، ودفن ليله الجمعه، وكان يوما عظيما لدفنه. وغلقت مصر والقاهره فى دلك اليوم. وكان بكاء وعويلا (٣)، ولبسوا اثياب العزا عليه، وقطعوا مماليكه شعورهم على نعشه. ونزل الى التربه الملك الاشرف والملك المعز اتابك. وكان عماره هده التربه وهى المدرسه الصالحيه فى سنه احدى واربعين وستمايه.

وفيها عاد الامير فارس اقطاى من الشام بالجيوش، وقبض على الامير زين الدين قراجا امير جاندار وعلى صدر الدين قاضى امد، وكانا من كبار الصالحيه (٨).

وفيها اجتمع راى الامرا على خراب دمياط. وسبب دلك ان المصريين خايفين من جهه الملك الناصر، والبحريه مختلفين (٩) الكلمه بين مصر والشام. فاختشوا لا يغتنموا (١٠) الفرنج الفرصه ويملكوا الثغر، ويصعب خلاصه عليهم، فاتفق رايهم على خرابه فهدموه.

وفيها مرض الناصر صاحب الشام (١٥) ثم عوفى، فلدلك انعاق عن طلب الديار المصريه. وفيها قبض الناصر يوسف صاحب الشام على الناصر داود صاحب الكرك واعتقله فى سجن حمص. وكان الملك الناصر داود رجلا عالما فقيها فاضلا مترسلا شاعرا. فلما طالت مده اعتقاله عمل هده الابيات يقول اولها <من الطويل>:

إلاهى الاهى (١٦) ... أنت اعلا واعلم

بتحقيق ما تبدى الصدور وتكتم

وأنت الذى ترجا (١٧) ... لكلّ عظيمة

وتخشى وأنت الحاكم المتحكم

إلى علمك العلوىّ أشكوا (١٨) ... ظلامتى

وهل لسواه ينصف المتظلم

أبثّ جنايات العشاير معلنا ... الى من بمعلوم (١٩) السراير يعلم


(٣) عويلا: عويل--وقطعوا: وقطع
(٨) خايفين: خائفون
(٩) مختلفين الكلمه: مختلفو الكلمة
(١٠) لا يغتنموا: ألا يغتنم
(١٦) الاهى الاهى: إلهى إلهى--اعلا: أعلى
(١٧) ترجا: ترجى
(١٨) اشكوا: أشكو
(١٩) بمعلوم: فى ذيل مرآة الزمان لليونينى (ط. حيدرآباد) ج‍ ١ ص ١٦٧ «بمكنون»