للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكى لى مملوك فارس الدين البكى، كان جار (١) لنا ونحن بدمشق، يسمى طقطاى، كان متزوج (٢) بنت امين الدين العجمى الدى كان محتسب دمشق، قال:

لما سلم السلطان الملك الاشرف-رحمه الله-لاجين، وهو ممسوكا (٣)، لاستادى الفارس البكى، توجهت معه. فوقع علينا فى تلك الليله مطر عظيم، فلبسنا جميعنا البرانس الجوخ والطراطير البلغارى، ولاجين بقباء ابيض بغير برنس ولا طرطور.

فقت لاستادى وكنت ادلّ عليه: «والله، متى صار من هدا شئ لا بد ان ينالك منه ما تكره». فقال لى استادى: «يا مجنون، تريدنى اشفق عليه والبسه، ومعنا من هو عين للسلطان علينا يحدثه بجميع ما نحن فيه. وانى اخشى ان يبلغ السلطان عنى ما افعله معه، فيمسكنى ايضا. وهدا ملك لا يلعب معه. فان صار من هدا شى كما تزعم، كان (١٠) الارض لنا واسعه». قال: فلما تسلطن لاجين هرب البكى مع المقفزين (١١) الى التتار-كما ياتى دكرهم انشا الله تعالى. وكان هدا اكبر ذنوبه (٢٧٣) وأؤكد اسباب هروبه.

ولنعود (١٣) الى دكر حصار عكا لم يزل مستمرا عليها، والحرب قايمه على ساق وقدم.

ولم يغلق لها باب الى سادس عشر جمادى الاولى عزم السلطان على الزحف، فرتب الكوسات على ثلثمايه جمل. ثم اصبح يوم الجمعه سابع عشره، فزحف عليها بالجيوش بكره النهار قبل طلوع الشمس. وضربت الكوسات مع طبلخانات الامرا مع الطنابك الجماليه مع صراخ الابطال وصهيل الخيل وقعقعه السلاح. فخيّل لاهل عكا ان القيامه قد قامت فى تلك الساعه. فلم تطلع الشمس من الابراج الا والسناجق السلطانيه الاسلاميه على البدن والابراج، والفرنج-خدلهم الله-قد ولوا الادبار، وركنوا الى الفرار، وركبوا المراكب طلبا للنجاة. وقد داركهم الموت فجاه،


(١) جار: جارا
(٢) متزوج: متزوّجا
(٣) ممسوكا: ممسوك
(١٠) كان: كانت
(١١) المقفزين: فى الأصل «المفقزين» --دنوبه: ذنوبه
(١٣) ولنعود: ولنعد