للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالصارم البتّار، وركنوا إلى الفرار، ولم يعدم من ميسرة (١) المسلمين إلاّ النادر القليل، وكذلك القلب من المسلمين، فإنّه فعل فعلا (٢) جميل. ثمّ حصل تخاذل من الله عزّ وجلّ، فهربت ميمنة (٣) المسلمين وتبعها من كان ورا السناجق السلطانيّة، فصاروا من المنهزمين، وانتصرت الطغاة الباغون ف‍ {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} (٥) وذلك بعد العصر، وحصل للمسلمين حصر، وأيّما حصر! وساق مولانا السلطان فى طايفة يسيرة نحو بعلبكّ، والجيش بأمره قد اشتبك، وعادت الغنايم والأموال، والعدد والأثقال، ملقاة ملو الأرض، فى طولها والعرض، ورموا الجند ساير عددهم ليخفّوا عن خيولهم. وقد تحيّرت لتلك النازلة عقولهم، وتفرّقوا ثلاث فرق، وتمزّقوا كلّ ممزّق. فأمّا الفرقة التى سلكت البرّيّة هلكت بأسرها، وكذلك التى طلبت السواحل بالمالح لم ينجو منهم إلاّ من كان فى أجله تأخير، وذلك النادر. ونفذ فيهم مقدور القادر. ولم يسلم من هذه الطايفة التى سلكت الساحل إلاّ من رافق الأمير سيف الدين بلبان الطبّاخىّ. فإنّه جمع مماليكه وثقله وعبر فى تلك الطريق على حميّة فى فارس وسبع ماية، والتأم به خلق كثير من الجند، فسلم من شرور الجبليّة. وأمّا الفرقة التى سلكت الجادّة فإنّها سلمت، ولم يعدم منها إلاّ القليل. وكان الجبليّة والعربان على الناس أشدّ من التتار، حتى كأن كان لهم على الإسلام تار

ثم إنّ التتار ظنّوا أنّ تلك الهزيمة مكيدة من المسلمين، وكان ذلك لطفا من ربّ العالمين. فإنّهم لم يتبعوا تلك الليلة للإسلام، إلى أن انقضى


(١) ميسرة: كان أصلها «ميمنة» وصححها الناسخ
(٢) فعلا: فعل
(٣) ميمنة: كان أصلها «ميسرة» وصححها الناسخ
(٥) السورة ٢ الآية ١٥٦