للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان قشتمر رجلا شجاعا عفيّا (١)، وكان قوسه سبعين رطلا دمشقيّا. هذا أقوله بالمشاهدة، فإنّه كان جارنا فى حارة الباطليّة بالقاهرة المحروسة، وكان له ولد اسمه أمير عمر، ربّينا جميعا فى حارة واحدة. وكان قشتمر له حظّ (٤) وافر من العفا والقوّة، وكان يجعل البطّيخة الخضرا فى بركة (٥) الماء ويكمش بيده منها، فيخرج منها ملو كفّه. وكذلك كان يجعل السفرجلة على راحة كفّه ويطعنها بسبّابته يخرقها إلى الجانب الآخر. وله عدّة أشيا من مثل ذلك، لكن إذا أراد الله أمرا (٧) بلغه. وكان عيبه أنّه ما كان يكاد يصحى مدمن خمر عفا الله عنه. قال الناقل: فقال قشتمر لما يظنّه من نفسه: أيش هم هؤلاء الخنازير؟ أنا وحدى ألتقيهم. -فقال له ابن جاجا: هذا قول الملوك المتوكّلين على الله، وأنت تحدّثنى (١٠) فى غير عقلك. -ثمّ ركب ابن جاجا من ساعته وصحبه أكثر من ثلث العسكر، وساق الليل كلّه وتعلّق فى الجبال فنجا هو ومن كان معه. فلمّا كان بكرة النهار أشرف العدوّ المخذول بالعدّة والعديد. فلمّا وقعت العين فى العين هربوا المسلمين من غير قتال، ولا نزال. فقتل منهم الأكثر، وأسروا الباقى. وأسر ستّة أمرا من أمرا حلب، من جملتهم فتح الدين بن صبرا، وقتل قشتمر رحمه الله وعفا عنه، وكان هذا وهنا عظيما (١٦) حصل، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم

وفيها ظهر بمعدن الزمرّد الذى بصعيد مصر قطعة زمرّد مطاولة غشيم، زنتها مايتى خمسة وأربعين مثقالا محرّرا، وهذا شى ما عهد بمثله من قبل.


(١) رجلا شجاعا عفيا: رجل شجاع عفى
(٤) حظ: حض
(٥) بركة: البركة
(٧) أمرا: امر
(١٠) تحدثنى: فتحدثنى
(١٦) وهنا عظيما: وهن عظيم