قلت: هذا حديث بيخان مملوك قراسنقر للعبد فى سنين العشرين والسبع ماية، لمّا كان بالديار المصريّة بعد عودته من عند أستاذه ومفارقته له على شاطى الفراة، لمّا عاد إلى نحو البلاد، حسبما نذكر من ذلك فى تأريخه إنشا الله تعالى. قال بيخان: فلمّا سمع قراسنقر ذلك نفّذ من ساعته ولده أمير علىّ بطلب دستور له إلى الحجاز الشريف، فرسم له بذلك فتجهّز. وقد حصل له السرور العظيم بذلك، وتوجّه من حلب طالبا للحجاز الشريف.
فورد عليه أيضا كتاب من مناصحيه وعيونه بالأبواب الشريفة: أن قد جرّد إلى الحجاز الشريف خمس ماية مملوك من المماليك السلطانيّة بسبب القبض عليك من الحجاز الشريف، ولو أنّك متعلّق بأستار الكعبة، فخذ خلاصك والسلام. -فعند ذلك حار فى أمره وضاقت مذاهبه، فرجع طالبا لبيوت مهنّا مستجيرا به، فوصل إليه وخرج له، والتقاه ملتقى حسنا، وأنزله عنده، وكان بينهما صحبة متأكّدة وأخوّة قديمة. فأطلعه على الكتب الواردة عليه من المناصحين. فقال له مهنّا: أقم عندى، حتى أكاتب مولانا السلطان فى أمرك، وأعرّفه أنّك رجعت عن عزم الحجاز لضعف حصل لك، وننظر بعد هذا ما يرد علينا ونفعل ما نراه
وأمّا ما كان من المجرّدين وأمرهم فإنهم نزلوا غزّة. فورد عليهم الخبر أنّ قراسنقر نزل الزرقا ورجع عن قصده الحجاز ورجع طالبا لحلب، وجفلت العربان من قدّامه وشالوا النار. فقال قرا لاجين للخطيرىّ: ما عندك من الرأى؟ -فقال: نصبر حتى نستصحّ الخبر، ونكاتب مولانا السلطان، ومهما رسم لنا بعد ذلك امتثلناه. -ثمّ ورد أيضا عليهم كتاب من بنى مهدىّ بصحّة عودة قراسنقر ونزوله على مهنّا