للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا أمر الوليمة العظيمة القدر التى ما رأى (١) الناس مثلها من أوّل ما كانت الدنيا، فقد ذكرها جماعة السلف رضى الله عنهم مثل: محمد بن جرير الطبرىّ، والمسعودىّ، والثعالبىّ، وابن عساكر مع جماعة أخر من أرباب التواريخ أنّ الحسن بن سهل احتفل فى دخول ابنته بوران على المأمون احتفالا ما شهدوا الناس مثله من قبل، حتى كانت وليمة بنت المعتزّ بالله تركواز. ولا زالت دعوة بوران على المأمون تدعى دعوة الإسلام حتى جاءت (٧) دعوة تركواز ابنة المعتزّ. فقال الناس هى مثله، وقيل: إنّ دعوة تركواز لا نظير لها. -فأمّا ما يحكى من جملة جلالة دعوة بوران: أنّ الحسن بن سهل أقام للمأمون بما يصلح له ولجميع قوّاده وأصحابه أربعين يوما، واحتفل بما لم يرا مثله نفاسة وكثرة (١٠)

وحكى المبرّد، قال: سمعت الحسن بن رجا يقول: كنّا نجرى أيّام مقام المأمون عند الحسن بن سهل على ستّة وثلاثين ألف ملاح (١٢)، ولقد عزّ بنا الحطب يوما. فأوقدنا تحت القدور الخيش مغموسا فى الزيت. ولمّا كانت ليلة البناء وجلّيت بوران على المأمون، فرش لها حصير من ذهب وجئ بمكيل مرصّع بالجواهر فيه درّ كبار، فنثرت على تلك النسا اللاتى (١٥) حضرن وفيهنّ زبيدة أمّ جعفر وحمدونة بنت الرشيد. فما مسّ من حضر من الدرّ شيا. فقال المأمون: شرّفن أبا محمد وأكرمنه. فمدّت كلّ واحدة منهنّ يدها، فتناولت درّة. وعاد ذلك الدرّ يلوح على تلك الحصير الذهب.

فقال المأمون: قاتل الله الحسن بن هانى، كأنّه رأى هذا حيث يقول:

كأنّ صغرى وكبرى من قواقعها ... حصباء درّ على أرض من الذهب


(١) رأى: راء
(٧) جاءت: جآات
(١٠) وكثرة: وكثر
(١٢) ملاح: كذا فى الأصل
(١٥) اللاتى: التين