لأحد من ملوك الإسلام، منذ خروج التتار من بلاد قراطاغ وإلى ذلك التأريخ، ولا حضر مثل هذا ولا قريب من نظرايه، إلاّ إن كان سلامش ابن باكوا بن باجوا المقدّم ذكره. والآخر أيضا حضر فى أيّام مولانا السلطان، وداس بساط العدل ودخل تحت الطاعة. وكان أيضا من عظما التتار ومن عظم الملك. وإنّما لم يكن فى يد سلامش ما صار فى يد دمرداش من ملك الروم وغيره. ولا طالت أيّامه فى الملك بالروم كما طالت أيّام دمرداش. وعلى الجملة فسبحان من أذلّ لمولانا السلطان رقاب الملوك الجبابرة، من ملاّك ملوك أملاك الأكاسرة والقياصرة. وأقبل عليه مولانا السلطان إقبالا كثيرا (٩)، ورتّب له الراتب الحسن، وفعل فى حقّه ما كان فوق من أمله. وأقام فى خدمته الأمير سيف الدين طوغاى الجاشنكير.
ومن جملة إحسان مولانا السلطان إليه أنّه شدّ له تعاليق حياصة بيده الشريفة، ونفذها إليه على ترتيب حوايص الموالى الأمرا. هذا كلّه لجبره وجبر خاطره، ولمّا كان يوم السبت سلخ ربيع الأوّل وصل طلب دمرداش ومن أصحابه جماعة منهم: محمود وماهنباه وأخى عثمان ويونس. وأنزلوا بالقلعة المحروسة، ورتّب لهم الرواتب الكثيرة جدّا من ساير المآكل الفخرة. فأقام دمرداش فى أنعم عيش وأرغده من تقريب مولانا السلطان له. وتوجّه فى الركاب الشريف إلى الصيد، فنظر من فروسيّة مولانا السلطان عزّ نصره وصبره على مداومة الركوب وقوّة الركض ما حيّره فى عقله، وصغرت عنده شجاعة نفسه. ثمّ إنّ البلاد لم توافقه، فحصل له توعّك، وسقط بالوفاة يوم الأربعا ثانى وعشرين ذى القعدة من هذه السنة المذكورة