للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد قطع منه هذه الأعمدة الغريبة المثال، فتوهّموا ذلك. -وهذا بعيد أن تكون أخلاط بهذه الصلابة العظيمة، وإنّما لعلّهم من معدن داخل اللواحات من المدن القديمة التى ذكرناها فى ذلك الجزء. وكانوا تلك الأقوام يستعينوا بما قد ذكر من استخدام المردة الجانّ فى نقلهم إلى أماكن يختاروها.

وعلى الجملة فإنّ أشياء حارت فيها العقول، نقلها مولانا السلطان بأسهل ما يكون، وذلك أنّه ندب من الأبواب الشريفة الأمير سيف الدين أروس بغا الناصرىّ مشدّا بحمل هذه الأعمدة. وسيّر فى خدمته المهندسين والعتّالين والحجّارين. وكتب للولاة بالوجه القبلىّ وهم: والى أسيوط ومنفلوط، ووالى الأشمونين، ووالى البهنساويّة بجمع الرجال من الأقاليم.

وقرّر على كلّ وال عدّة من هذه الأعمدة المذكورة، وجرّهم إلى ساحل البحر الأعظم. وندب لهم المراكب الكبار الخشنة. وحملوا فى أوايل جريان النيل المبارك ليأمنوا من الوجلات، لثقل هذه الأعمدة. ولمّا حضروا إلى ساحل مصر انتدبت لجرّهم الولاة بمصر والقاهرة. وجمعوا لهم آلافا (١٣) من الناس استعانوا بهم. وكان لهم همّة عظيمة حتى حصلوا وأقيموا فى هذا الجامع السعيد الذى ادّخر به مولانا السلطان قصورا (١٥) عدّة فى عرصات الجنان. وهذا ملك قد جمع الله تعالى له ملك الدنيا إلى ثواب الآخرة، وعزّة النفس إلى بسطة العلم ونور الحكمة إلى نفاذ الحكم، زاد الله سلطانه عزّا وقهر، وأدام أيّامه إلى آخر الدهر


(١٣) آلافا: آلاف
(١٥) قصورا: قصور