للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ثغر دمياط، وملكوا البلاد وأشرفوا على أخذ الديار المصريّة.

وأراد الملك الكامل الهرب إلى اليمن ويدع الديار المصريّة للفرنج، لولا ما أدرك الله تعالى الإسلام بلطفه وحسن عنايته. واستأسر للفرنسيس (٣) وعتقوه. وفيه كان قتل البحريّة لابن أستاذهم الملك المعظّم توران شاه بن الملك الصالح، حسبما ذكرنا من خبره. ولم يزل السيف يقطر الدما-كلّ ذلك بقضاء إله الأرض والسما، الذى لا تتحرّك ذرّة إلاّ بإذنه-إلى سنة تسع وتسعين وستّ ماية. فكانت نوبة غازان بوادى الخزندار، حسبما تقدّم من الأخبار. وكان ذلك فى أيّام تغلّب بيبرس وسلاّر.

ولم يزل الأمر كذلك إلى أن أعلى الله تعالى كلمة مولانا السلطان. وإن كانت لم تزل عالية فى الآفاق، أدام الله عزّ سلطانها إلى يوم العرض والتلاق، الذى وإن أطنبنا فى وصف بعض مناقبه كان اللفظ قاصر، سيّدنا ومولانا ومالك رقّنا السلطان الأعظم الملك الناصر. فانظر أيّها الفاضل بعين الإنصاف، ودع الجدل والخلاف، فهل رأيت مذ مكّنه الله من رقاب أعدايه المتمرّدين، من خلل وقع فى أمر هذا الدين؟ أو من حادث يشين زمانه، أو من قحط وجوع وغلاء حصل فى أوانه، أو من خوف عدوّ نخشاه؟ كلاّ والله، ما كان هذا قطّ فى أيّام دولته وحاشاه (١٥)، فالحمد لله الذى خصّنا، إذ جعلنا من أمّة نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم، وخلقنا وأحيانا فى أيّام دولة وليّه محمد السلطان الأعظم الملك الناصر، والليث (١٨) الكاسر، لا زالت أيّامه جواهر قلايد أعناق الزمن، يتقلّد منه بها فى عنقه المنن، وأدام أيّامه، ونصر أعلامه إلى يوم القيامة


(٣) للفرنسيس: الفرنسيس
(١٥) وحاشاه: وحشاه
(١٨) والليث: ولليث