وفيها تغيّرت الخواطر الشريفة السلطانيّة، أعزّ الله أنصارها وضاعف اقتدارها على صاحب سيس، لأمور جرت منه عن غير اختياره.
فبرزت المراسم الشريفة للأمير علاء الدين ألطنبغا نايب حلب المحروسة، أن يتوجّه بالعساكر الحلبيّة ويعبر إلى سيس ويخرب ما يقدر عليه، فامتثل ذلك. ودخلت العساكر الحلبيّة صحبة الأمير علاء الدين النايب، وصحبة الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، فإنّه كان وصل إلى حلب، حسبما ذكرنا من خلاصه وإنعام مولانا السلطان عزّ نصره عليه بالإمرة فى حلب. ولمّا دخلت العساكر الحلبيّة فعلوا ما بيّض وجوههم عند الله تعالى وعند مولانا السلطان من قتل الكفّار، أصحاب الصليب والزنّار، وعجّل الله بأرواحهم إلى النار. واستأسروا خلقا كثيرا، وغنموا مغانم كبيرة معجّلة، وأحرقوا زروعهم وسبوا ذراريهم. وخرجوا سالمين غانمين، والحمد لله ربّ العالمين
والذى أقول:
إنّ هذا ملك لله به عناية، وله فيه إرادة، ما رام عزّا إلاّ وصل إليه، ولا شام جليلا إلاّ قدّره الله عليه. فدانت له ساير الممالك، وجزع لهيبته الملوك، فكلّ من خوفه كالهالك. واقتنع المغل منه بالمسالمة، وهى بعفوه عن طلبها عارفة وعالمة، وناهيك من قهر هذه الطايفة التى ما زالت ملوك الأرض من شرّها خايفة. فكيف حال غيرها من ملوك البسيطة، إذ عزمته الشريفة بتأييد الله له بالقدرة عليهم محيطة؟ ولا بدّ من لمعة نختم بها هذا التأريخ المبارك، ممّا قيل من المنظوم فى مدحه، فعاد قايله لنا فى مدحه مشارك، وإن كانت أوصافه جلّت أن يقوم لها نظما ونثرا، أو يحوى ذلك من ألّف لها شعرا <من الطويل>: