وقال أبو عمرو: لم أجد أحدا قال الشعر حدثا وأجاد فيه على حداثة سنّه إلاّ طرفة بن العبد، فإنّه قال الشعر وهو ابن عشرين سنة. وقيل: قاله ولم يبلغ العشرين.
وقيل لأبي عمرو: ما الذي يصحّح عندك حداثته؟ قال: لم أره ذكر الشّيب ولا نعاه، ولا بكى على الشباب ولا رثاه، ولا كثر شعره على أفواه الرّواة.
قيل: وأخرج لسانه يوما-وكان أسود كأنّه لسان ظبي-فأخذه بيده ثمّ أومى إلى عنقه فقال: ويل لهذه ممّا يجني عليه هذا، يعني لسانه على عنقه، فكان كما قال، قتله المعكبر بالبحرين بكتاب عمرو بن هند.
قلت: وطرفة أحد الذين ضرّهم شعرهم، وهم جماعة، منهم شديف وطرفة هذا. ومثل المتنبّي من المتأخّرين وغيرهم سقتهم في كتابي المسمّى (٣٢١) بحدائق الأحداق، المقدّم ذكره، ما يغني عن تكرار القول فيهم.
وطرفة وخاله المتلمّس كانا ينادمان عمرو بن هند، فنقم عليهما في أمر يأتي ذكره، إن شاء الله تعالى، فأنفذهما بكتابين على أيديهما إلى المعكبر بالبحرين فيه قتلهما. فأمّا المتلمّس فإنه فضّ كتابه وقرأه لتأخير أجله. وأمّا طرفة فتمّ على وجهه، فقتل. وسنذكر من ذلك طرفا عند ذكر المتلمّس، إن شاء الله تعالى.
ومن مليح شعر طرفة البيت السائر من القصيدة الّتي أوّلها (من الطويل):