وأمّا الحديث الآخر، فهو متعلّق بقول أكثم بن صيفى أيضا: رأيته فى حجر عبد المطّلب يوم أرسل السحاب إلى بلاد مضر، ومعنى ذلك ما روى أنّ بلاد قيس ومضر أجدبت وأتت عليهم سنة ذات حطمة شديدة، فاجتمعوا إلى زعمائهم فتشاوروا، فقام أحدهم خطيبا فقال: يا معشر مضر، إنّكم أصبحتم فى أمر ليس بالهزل، وقد بلغنا أنّ صاحب البطحاء استسقى فسقى، وشفّع فشفع، فاجعلوا قصدكم إليه واعتمادكم عليه، فارتحلت قيس ومضر ومن داناهم حتى أتوا مكّة، ودخل ساداتهم على عبد المطّلب، فحيّوه، فقال: أفلحت الوجوه، وسألهم عمّا قصدوا فقام خطيبهم فقال: أبا الحارث [نحن](١) ذوو رحمك الواشجات (٢)، أصابتنا سنون مجدبات، وقد بان لنا أثرك، ووضح عندنا خبرك، فاشفع لنا إلى شفيعك! فقال عبد المطّلب: موعدكم جبل عرفات.
ثم خرج من مكّة وولده وولد ولده وفيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ابن ستّ سنين أو نحوها، فركب عبد المطّلب ناقة وسدّل عمامته ذؤابتين على غارب ناقته، وكان برايته صفائح الفضّة، حتى انتهى إلى عرفات، فنصب له كرسىّ فنزل عليه، وجلس متربّعا، وقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين يدى الكرسىّ، فأخذه عبد المطّلب، فأجلسه فى حجره، وقال: اللهم ربّ البرق الخاطف، والرعد القاصف، والقطر الواكف، وربّ الأرباب (٢٥) ومسبّب الأسباب، ومنشئ السحاب، هذه قيس ومضر، خير البشر، قد شعثت شعورها، وحدبت ظهورها، يشكون شدّة