للنبىّ صلّى الله عليه وسلم مكانا فى ظلّها، وكان معى فرو ففرشته، وقلت للنبىّ صلّى الله عليه وسلم:
نم حتى أنفض ما حولك (١)]، فخرجت فإذا أنا براع قد أقبل يريد من الصخرة مثل الذى أردنا، وكان أتاها قبل ذلك، فقلت: يا راعى لمن أنت؟ قال: لرجل من أهل المدينة [يعنى مكة](١)، قال: فقلت: هل فى شاتك من لبن؟ قال: نعم! فجاءنى بشاة فجعلت أنفض الغبار عن ضرعها ثم حلبت فى إداوة معى كثبة من لبن، وكان معى ماء للنبىّ صلّى الله عليه وسلم، قال: فصببت (٢) على اللبن من الماء لأبرّده، وكنت أكره أن أوقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: فوافيته حين قام من نومه، فقلت: اشرب يا رسول الله! قال: فشرب حتى رضيت، فقال لأبى بكر: ما آن الرحيل؟ قال: قلت: بلى: فارتحلنا حتى إذا كنّا بأرض صلبة جاء سراقة ابن مالك بن جعشم، فبكى أبو بكر، فقال: يا رسول الله قد أتينا، قال: كلاّ! ودعا صلّى الله عليه وسلم بدعوات، فارتطم فرسه إلى بطنه، فقال: قد أعلم أنّ قد دعوتما علىّ، فادعوا لى، ولكما علىّ أن أردّ الناس عنكما ولا أضرّكما، قال: فدعا له فرجع ووفّى وجعل يردّ الناس.
وقيل كان الإسراء بعد قدومه من الطائف بسنة ونصف، وفيها هاجر إلى المدينة وله ثلاث وخمسون سنة، وغزا بنفسه الشريفة صلّى الله عليه وسلم ستّا وعشرين غزوة تأتى أسماؤها فى سنيها بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
ولم يحجج بعد الهجرة إلاّ حجّة الوداع، وإنّه صلّى الله عليه وسلم حجّ قبل النبوّة حجّات لم يتّفق العلماء على عددها، وقد اعتمر بعد الهجرة أربع عمر صلّى الله عليه وسلم.