قالت عائشة رضى الله عنها: ما قلت ذلك ولا صرفته عن أبى بكر إلاّ رغبة به عن الدّنيا وما فى الولاية من المخاطرة والهلكة، إلاّ من سلّم الله، وخشيت أيضا ألاّ تكون الناس يحبّون رجلا صلّى فى مقام النبى صلّى الله عليه وسلم وهو حىّ أبدا -إلاّ أن يشاء الله-يحسدونه ويبغون عليه ويشاءمون به، فإذن الأمر أمر الله، والقضاء قضاؤه، عصمه الله من كلّ ما تخوّفت عليه فى أمر الدنيا والدين.
قالت عائشة رضى الله عنها:(٦٤) فلمّا كان اليوم الذى مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت منه فى أول النهار خفّة، فتفرّق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين، وأخلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالنّساء، فبينا نحن على ذلك لم يكن مثل حالنا فى الرخاء والفرح قبل ذلك إذ قال النبى صلّى الله عليه وسلم:«اخرجن عنّى، هذا الملك يستأذن علىّ»، قالت: فخرج من فى البيت غيرى، ورأسه فى حجرى، فجلس، فقمت عنه فى ناحية من البيت، فناجى الملك طويلا، ثم إنّه دعانى فأعاد رأسه فى حجرى، وقال للنّسوة:«ادخلن»، فدخلن، فقلت: يا رسول الله ما هذا بحسّ جبريل عليه السّلام. فقال:«أجل يا عائشة، هذا ملك الموت جاء إلىّ وقال إنّ الله أرسلنى إليك، وأمرنى أن لا أدخل عليك إلاّ بإذن منك، وإن لم تأذن لى وإلاّ رجعت، وأمرنى أن لا أقبض نفسك إلاّ بأمرك، فقلت: تربص حتى يأتينى جبريل عليه السّلام»، قالت عائشة: وجاء جبريل فى ساعته، فعرفت حسّه فجلا به ساعة، فسمعناه يقول:«الرّفيق الأعلى، الرّفيق الأعلى» ثم قبض صلّى الله عليه وسلم ضحى نهار.
وجرت أحواله صلّى الله عليه وسلم كلّها على يوم الاثنين، وذلك أنّه ولد يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وخرج من مكّة يوم الاثنين، ودخل المدينة مهاجرا