ولمّا بلغها خبر مسيلمة الكذّاب وأنّه ادّعى أيضا النّبوّة، وأنّه يزعم أنّه نزل عليه قرآن ووحى، فجمعت جيوشها وقالت لبنى تميم: إنّ الله لم يجعل هذا الأمر فى ربيعة وإنّما اختص به مضر، فأطاعوها وساروا معها بجموعهم لحرب مسيلمة فى بنى حنيفة، وبلغ مسيلمة خبرها فاشتدّ عليه ذلك، وتحصّن فى اليمامة، فجاءت سجاح وجيوشها من تميم وغيرها، فأحاطت به فأرسل إلى وجوه قومه، وقال: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تسلّم هذا الأمر إليها وتدعنا، فإن لم تفعل فهو البوار (١١٧) فقال: أنظرونى.
وكان مسيلمة داهية من أكبر دهاة العرب، ثم بعث إليها يقول: إنّ الله جلّ ذكره-عن زعمه-أنزل إلىّ كتابا وعلىّ وحيا قرآنا، وأنت تدّعين كذلك، فهلمّ نجتمع فنتدارس، فمن عرف الحقّ تبعه، فاجتمعنا فأكلنا العرب فاطبة بقومى وقومك، فأجابت لذلك، فأمر مسيلمة أن تضرب قبّة من أدم وأمر بالعود والمندل، فسجر (١) فيها، وقال: أكثروا من الطيب، فإنّ المرأة إذا تنشقت رائحة الطّيب حنّت للباه، ففعلوا ذلك، واجتمعا فى تلك القبّة، ولم يكن بينهما ثالث، فقالت: هات ما أنزل عليك. فقال: ألم تر كيف فعل ربّك بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى، ومن بين ذكر وأنثى، ثم إلى ربّك المنتهى، قالت: ثم ماذا؟ فقال: ألم تر أنّ الله خلقنا أفواجا، وجعل النساء للرّجال أزواجا، نولج فيهن [قعسا](٢) إيلاجا، ونخرجها منهنّ إخراجا، وهو مع ذلك يتراءى لها بغرموله وقد أنعظ، فلحّت ببصرها نحوه، ثم قالت وقد ألانت كلامها: فبأىّ شئ أمرك، فما أظنّك إلاّ على حقّ دونى، فقال: