أهل إيلياء الحصار من المسلمين طلبوا من أبى عبيدة الصلح، فأجابهم، فقالوا:
أرسل إلى خليفتك عمر، فهو الذى يعطينا العهد، ويكتب لنا الأمان، فكتب أبو عبيدة لعمر رضى الله عنه بذلك، فلمّا جاءه الكتاب استشار الصحابة رضوان الله عليهم فى السفر، فقال له عثمان رضى الله عنه: إنّ الله تبارك وتعالى قد أذلّ المشركين ولن يزدادوا إلاّ ذلاّ، ولن يزداد المسلمون إلاّ قوّة وعزّا، فإن أقمت بمكانك كان ذلك استخفافا بأمرهم، واستحقارا لهم، وإنّ القوم لن يلبثوا حتى ينزلوا على حكم أبى عبيدة ويعطوا الجزية.
قال علىّ كرّم الله وجهه: يا أمير المؤمنين، إنّهم سألوك منزلة لهم فيها الذلّ والصغار، وللمسلمين فيها العزّ والفتح، وليس بينك وبين ذلك إلاّ أن تقدم، ولك الأجر، وفى كلّ ظمأ ومخمصة، والثواب فى قطع كلّ واد، وفى كلّ نفقة، ولست آمن إن يئسوا من قبولك الصلح أن يتمسّكوا بحصنهم، ويأتيهم مدد فيطول حصار المسلمين إيّاهم، ولا آمن أن يدنو المسلمون من حصنهم فيرشقوهم بالنبل، ويقذفونهم بالمجانيق، ورجل من المسلمين خير ممّا طلعت عليه الشّمس، فقال عمر رضى الله عنه: قد أحسن عثمان النظر فى مكيدة العدوّ، وقد أحسن علىّ النظر لأهل الإسلام. سيروا على اسم الله.
فسار عمر وولّى علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه، وخرج العبّاس رضى الله عنه، عمّ النبى صلّى الله عليه وسلم، فعسكر بالناس، وخرج معه وجوه المهاجرين والأنصار، (١٤٦) وخرج عمر رضى الله عنه راكبا على بعير له عليه غرارتان، إحداهما سويق، والأخرى تمر، وبين يديه قربة فيها ماء، وخلفه جفنة.