فلمّا قربوا من إيلياء استقبله الناس، وكان أوّل مقنب (١) لقيه، فسلّموا عليه، ولم يعرفوا عمر، فقالوا: هل عندكم من أمير المؤمنين علم؟ فسكتوا، ثم لقيهم مقنب (١) آخر، فسألوهم عن أمير المؤمنين عمر، فقال عمر: ألا تخبرون القوم عن صاحبهم؟ فقالوا: هذا أمير المؤمنين، فاقتحموا عن خيلهم، فقال عمر:
لا تفعلوا.
فساروا قبل المسلمين يصفّون الخيل، ويشرعون الرماح على حافتى الطريق، ثم طلع أبو عبيدة بن الجرّاح فى كبكبة من الخيل وهو على قلوص مكنّفا (٢) بعباءة، وخطام ناقته من شعر، وعليه سلاحه، وقد تنكّب قوسه، فلمّا رأى عمر أناخ راحلته، وأناخ عمر بعيره فنزلا، ومدّ أبو عبيدة يده إلى عمر ليصافحه، فمدّ عمر يده إليه، فأهوى أبو عبيدة ليقبّل يد عمر، يريد تعظيمه فى العامّة، فأهوى عمر إلى رجل أبى عبيدة ليقبّلها، فقال أبو عبيدة: مه يا أمير المؤمنين، وتنحّى عنه، فقال عمر: مه يا أبا عبيدة، فتعانقا، ثمّ ركبا وتسايرا، ونزلا بالجابية.
وجنود أبى عبيدة محاصرة إيلياء. وأتى إلى عمر ببرذون وثياب بيض، وسألوه ركوب البرذون، ولباس الثياب، وقالوا: إنّ ذلك أهيب لك عندهم، فلم يلبس الثياب، وركب البرذون فهملج به، وخطام ناقته بيده لم يفلته بعد، فنزل عن البرذون وقال: لقد غرّنى هذا، وأنكرت نفسى، ثم قال: يا معشر