(١٦٥) وقد ذكرت جميع هؤلاء العمالقة وسيرهم ومددهم وسبب تمليكهم مصر فى الجزء الأول (١) من هذا التّاريخ مفصّلا، مبرهنا، ما لعلّه لم يوجد فى تاريخ غيره، وإنّما استمددت ذلك من كتاب قبطى عتيق، كان قد وجدته فى الدير الأبيض الذى قبالة سوهاج من صعيد مصر، وقد ذكرت أيضا فى ذلك الجزء هذا الكتاب القبطىّ وسبب تحصيله ممّا يغنى عن إعادته هاهنا.
ولم تزل العماليق ملوك مصر من حين تغلّبوا على قبطها حسبما تقدّم من الكلام، وكان الكاهن أشمويل أوّل من بنى مقياسا الماء بمدينته المعروفة به وهى الأشمونين، فلمّا استخلف يوسف عليه السّلام بنى مقياسا للماء بمنف، وكانت دلوكة بنت زباء قبل ذلك قد بنت مقياسا بأنصنا، وبنت آخر بأخميم، وقيل هى بانية البربا وحيط العجوز (٢)، وكانت عالمة بأنواع السحر وبقيّة من علم الطلّسمات والعزائم، وطلبتها الأعداء فلم يقدروا عليها، وأهلكتهم فى مواطنهم حسبما تقدّم من الكلام فى ذلك الجزء عند ذكرها.
ولمّا فتحت مصر، وصارت فى أيدى المسلمين بمعونة الله تعالى وعنايته بدين الإسلام، بنى عمر بن عبد العزيز مقياسا بحلوان، وبنى أسامة بن زيد التنوخى مقياسا فى الجزيرة، وهو الذى هدمه الماء، وبنى المأمون مقياسا بالسرورات، وبنى المتوكّل هذا المقياس الذى تقاس فيه فى هذا الوقت عند وضعى لهذا التاريخ، وهو فى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، أحسن الله فيها العاقبة.