وخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بن أبى طالب كرّم الله وجهه على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فقال المنافقون: ما خلّفه إلاّ استثقالا له، وفى هذه الغزاة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«ألا ترضى يا علىّ أن تكون منّى بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى»، وذلك أنّ عليّا عليه السّلام لمّا بلغه أنّ المنافقين قالوا فى شأنه أنّ ما خلّفه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المدينة إلاّ استثقالا له، أخذ سلاحه ثم خرج إليه وهو نازل بالجرف (١)، فقال: يا نبىّ الله، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتنى استثقالا لى، فقال:«كذبوا، ولكنّى خلفتك لما تركت ورائى، فاخلفنى فى أهلى وأهلك»، ثم قال له ما قال.
وتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ناس، فيقول أصحابه: يا رسول الله تخلّف فلان، فيقول عليه السّلام:«دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه.
وتأخّر أبو ذرّ على بعير له، فلمّا أبطأ به أخذ متاعه فحعله على ظهره، ولحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم ماشيا، فنظر رجل من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشى على الطريق، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «كن أبا ذرّ»، فلمّا تأمله القوم قالوا:
هو والله أبو ذرّ، فقال عليه السّلام:«رحم الله أبا ذرّ، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده».
وفى هذه الغزاة تخلّف ثلاثة من المسلمين، ولم يكونوا أهل نفاق، وهم:
كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال ابن أميّة، قال كعب بن مالك: