وخطبت عائشة رضى الله عنها يوم الجمل، وكان فى عسكرها لغط، فقالت:
صه صه، فكأنّما قطعت الألسن فى الأفواه، فقالت: أيّها الناس، إن لى عليكم حقّ الأمومة، وحرمة الموعظة، مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين سحرى ونحرى، وأنا إحدى نسائه فى الجنّة، ذخرنى له ربّى، وبى ميّز بين منافقكم ومؤمنكم، وإنّ أبى ثالث ثلاثة من المؤمنين، فهو ثالث الإسلام، وثانى اثنين فى الغار، وأوّل من سمّى صدّيقا، مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو عنه راض، طوقّه طوق الإمامة، ثم اضطرب حبل الدين فمسك أبى بطرفيه، ورتق فتقه، وأغاض نبع الرّدة، وأطفأ ما أو قدت يهود، وأنتم يومئذ جحظ العيون، تنظرون الغدوة وتستمعون الصّيحة، رأب الثأى (١)، وأودم (٢) الغلطة، وانتأش (٣) من المهواة، واحتجن دفين الدواء، حتى أعطن (٤) الوارد، وأورد الصادر، وعلّ الناهل، فقبضه الله عزّ وجلّ (٢٥٨) واطئا على هامات النفاق، مذكيا نار الحرب للمشركين، فانتظمت طاعتكم بحبله، ثم ولّى أمركم رجلا مرعيا إذا ركن إليه، بعيد ما بين اللابتين، يقظان اللّيل فى نصرة الإسلام، فسلك مسلك السابق، وفرّق شمل الفتنة، وجمع أعضاد ما جمع القرآن، وأنا نصب المسألة عن مسيرى هذا، لم ألتمس فيه إثما، ولم أوطئكم فتنة، أقول قولى هذا، وأستغفر الله لى ولكم، وأسأله أن يصلّى على محمّد، وأن يخلفه فيكم بأفضل الخلافة، خلافة المرسلين.