للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلاد، وقطعت الأطواد، وبنيت «{إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ}»، التى لم يخلق مثلها فى البلاد، وأردت أن أبنى هنا مثل إرم، وأنقل إليها كلّ ذى قدم، من جميع الأمم لا خوف ولا هرم، ولا غمّ ولا سقم، فأصابنى الدهر بسهمه وسقانى سمّه، فكان مقتلى، وأخرجنى من دارى ووطنى، فمن رآنى فلا يغترّ بالدنيا بعدى.

قال: فلمّا قرأ الإسكندر ما على اللوح قوى عزمه على بنائها فجمع الحكماء والمهندسين وأرباب الرصد وهيّأ الأخشاب والحجارة، وقال بعد ما جعل عند الأساس أجراسا للمنجّمين: إذا أخذتم الطالع فحرّ كوا هذه الأجراس لنضع الأساس فى تلك الساعة وذلك برأى منّى، واتّفق أنّ الإسكندر نام فى تلك الساعة والمنجّمون يرصدون فأتى غراب فقعد على إحدى الأجراس وهو الأكبر وحرّكه فتحرّكت الأجراس عن يد واحدة فوضع الصنّاع الأساس وصاحوا صيحة انتبه لها الإسكندر فلمّا رأى الغراب فهم القضيّة فقال: فهمنا المقصود وأردنا أمرا وأراد الله غيره، وأمر بإتمام العمل والبناء.

قال، فلمّا تمّ السور خرجت فى الليل من البحر دوابّ على صورة الشياطين فأخربوه فأعاد البناء مرارا وهو يهدم فجمع الحكماء والمهندسين حتّى تحقّقوا صورهم وإذا بهم شياطين فعملوا طلسمات من نحاس على صورهم ثم جعلوا (١) على أعمدة من نحاس فلمّا خرجت الشياطين ورأوا تلك الصور ولّوا هاربين ولم يعودوا وتمّ البناء، قلت: هذا ما ذكره ابن حوقل (١١٠) رحمه الله، (٢) والمستحسن فى هذا القول ما نذكره فى مكانه إن شاء الله تعالى.

قال ابن حوقل أيضا: (٣) ثم بنى الإسكندر عليها سبعة أسوار بين كلّ سورين خندق فتمّ بناؤها فى مائة سنة.


(١) جعلوا: جعلوها مرآة الزمان
(٢) ابن حوقل: غلط ابن الدوادارى، والصحيح: سبط ابن الجوزى
(٣) ابن حوقل: غلط ابن الدوادارى، والصحيح: سبط ابن الجوزى