فقال الأشتر النخعى: لا تبعثه، فو الله إنّى لأظنّ هواه مع معاوية، فقال علىّ رضى الله عنه: دعنا حتّى ننظر ما الذى يرجع به إلينا، ووجّهه إلى معاوية، يدعوه إلى طاعة علىّ عليه السّلام، وقدم جرير على معاوية، فكلّمه، فأبطأ جوابه عليه، فقال جرير: إنّى رأيتك توقّفت بين الحقّ والباطل وقوف رجل ينتظر رأى غيره، وكذلك فعل معاوية، فإنّه انتظر شرحبيل بن السمط (١) الكندى، فلمّا قال جرير لمعاوية ما قال، قال معاوية لشرحبيل: هذا جرير يدعو إلى بيعة علىّ، فقال شرحبيل: إنما أنت عامل لأمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه وابن عمّه (٢٧٩) وأنت أولى الناس بدمه.
فلمّا سمع ذلك جرير انصرف إلى علىّ رضى الله عنه، وأخبره الخبر، فقال مالك الأشتر: يا جرير، أما أعرف غشّك وغدرك، وكونك بعت دينك لعثمان بولاية همدان؟ فغضب جرير، ولم يحضر صفّين. فأتى علىّ كرّم الله وجهه دار جرير فشعّثها، وأحرق مجلسه، فقال له أبو زرعة بن عمرو بن جرير: أصلحك الله، إنّ فى الدار أنصباء لغير جرير، فأمسك علىّ رضى الله عنه.
وقام أبو مسلم الخولانىّ واسمه عبد الرحمن فقال لمعاوية: لم تقاتل عليّا، وأنت تعلم سابقته وفضله؟ فقال له معاوية: كف، ليدفع إلينا قتلة عثمان، ولا قتال بيننا وبينه، فإنّ عثمان قتل مظلوما محرما، فقال له: اكتب له كتابا!