فكتب معاوية لعلىّ رضى الله عنهما يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية إلى علىّ، أمّا بعد، فإنّ الله سبحانه وتعالى اصطفى محمّدا بعلمه ووحيه، وجعله الأمين على وحيه، ثم اجتبى له من المسلمين أعوانا، أيّده بهم، فكانوا فى المنازل عنده على قدر فضائلهم فى الإسلام، فكان أنصحهم لله عز وجل ولرسوله خليفته ثم خليفته، ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما عثمان رضى الله عنه، فكلّهم حسدت، وعلى كلّهم بغيت، عرفنا ذلك فى نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفّسك الصعداء وإبطائك عن بيعة الخلفاء، ولم تكن لأحد منهم أشدّ حسدا [منك] لابن عمّتك، وكان أحقّهم ألاّ تفعل ذلك به، لقرابته وفضله، فقطعت رحمه، وقبّحت حسنه، وأظهرت له العداوة، وبطنت له بالغشّ، وألّبت عليه الناس، حتى ضربت إليه آباط الإبل من كلّ وجه، وقيدت إليه الخيل من كل أفق، وشهر عليه السلاح فى حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقتل معك فى المحلّة، وأنت تسمع الهائعة، لا تدرأ عنه بقول ولا عمل (٢٨٠) ولعمرى يا ابن أبى طالب، لو قمت فى أمره مقاما ينهى الناس عنه، وتقبح لهم ما انتهكوا، ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا، ولمحا ذلك عنهم ما كانوا يعرفون منك من المجانبة له والبغى عليه وأخرى أنت بها عند أولياء عثمان ظنين: إيواؤك قتلة عثمان، فهم عضدك ويدك وأنصارك.
وقد بلغنى أنّك تتبرأ من دم عثمان رضى الله عنه، فإن كان كذلك فادفع إلينا قتلته لنقتلهم به، ثم نحن أسرع الناس لحاقا بك، وإلاّ فليس بيننا وبينك إلاّ السيوف، فو الّذى لا إله غيره لنطلبنّ قتلة عثمان فى الجبال والرمال والبرّ والبحر، حتى نقتلهم أو تلحق أرواحنا بالله عزّ وجلّ.