بداهية العرب، فمهما نسيت فلا تنس أنّ عليّا بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وليست فيه خصلة تباعده من الخلافة، وأن ليس فى معاوية خصلة تقرّبه من الخلافة.
قال (١): ووصّى معاوية عمرا حين فارقه، فقال: يا أبا عبد الله، إنّ أهل العراق قد أكرهوا عليّا على أبى موسى الأشعرىّ، وإنّ أهل الشام راضون بك، وقد ضمّ (٣٠٣) إليك رجل طويل اللسان، قصير الرأى، فلا تلقه برأيك كلّه.
فلمّا التقى أبو موسى وعمرو بن العاص بدومة الجندل، قال عمرو لأبى موسى:
خبّرنى ما رأيك (٢)؟ فقال: أرى أن نخلع هذين الرجلين، وأجعل الأمر شورى بين المسلمين، يختارون لأنفسهم من يختارون، فقال عمرو الرأى ما رأيته! فأقبلا على الناس وهم مجتمعون، فقال عمرو لأبى موسى: تكلّم بما وقع الاتّفاق عليه، فإنّ رأينا جميعا قد اجتمع، وأنت أقدم وأسبق.
قال: فتكلّم أبو موسى، فقال: رأيى ورأى عمرو قد اتّفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمّة نبيه صلّى الله عليه وسلم، فقال عمرو: صدق أبو موسى، تقدّم فتكلّم! قال: فتقدّم أبو موسى ليتكلّم، فدعاه ابن عبّاس، فقال: ويحك إنّى لأظنّه قد خدعك، إن كنتما اتّفقتما على أمر فقدّمه فى الكلام قبلك، ثم تكلّم أنت بعده، فإنّ عمرا رجل غدّار، ولا آمن أن يكون أعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فإذا قمت فى الناس خالفك.