وكان أبو موسى متغفّلا (١)، فقال: لا أرضاه أن يكون المقدّم علىّ فى القول، ثم تقدّم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه صلّى الله عليه وسلم، ثم قال: أيّها الناس، إنّا قد نظرنا فى أمر هذه الأمّة، فلم نر أصلح لها، ولا ألمّ لشعثها من أمر قد اجتمع عليه رأيى ورأى عمرو بن العاص، وهو: أن نخلع عليّا ومعاوية جميعا، واستلقوا أمركم، وولّوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلا، ثمّ تنحى.
وأقبل عمرو بن العاص، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وصلّى على النبى صلّى الله عليه وسلم ثمّ قال: هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أيضا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبتّ صاحبى معاوية، فإنّه ولىّ ابن عفّان، والطالب بدمه، وأحقّ الناس بمقامه، فقال أبو موسى: ما لك (٣٠٤) لا وفّقك الله، غدرت وفجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، فقال عمرو. إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.
قال (٢): وحمل شريح على عمرو فضربه بالسوط، وحمل ولد لعمرو فضرب شريحا بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهما، فكان شريح بن هانئ بعد ذلك يقول: ما ندمت على شئ كندامتى على ضرب عمرو بالسوط، ألاّ أكون قد ضربته بالسيف، ثم إنّ الناس التمسوا أبا موسى الأشعرى، فركب راحلته وأتى مكّة شرّفها الله تعالى وقال لابن عبّاس: غدرنى الفاسق، ولكنّى [اطمأننت](٣) إليه، ولا ظننت أنّه يؤثر شيئا على نصيحة المسلمين، ثم انصرف عمرو وأهل