وقوله: كغربى صارم، الغربان هما حدّان السيف القاطع، والمعنى يريد أنهما كحدى السيف لا فضل لأحدهما على الآخر، وهذا حسن من القول جدّا، وممّا لم يسبق إليه فيما علمت. ألا ترى أنه لو قال:
هما كالعينين فى الرأس وكاليدين فى الجسد لأمكن أن يقال: أيّتهما اليمنى؟ ولقد اجتهد هرمز بن قرطبة الفزارى فى التسوية بين عامر بن الطّفيل وعلقمة بن علاثة حين تنافرا إليه فقال: هما كركبتى البعير الأورق، أو قال الآدم يقعان إلى الأرض معا. فقيل له: أيتهما اليمنى؟ فلم يحر جوابا.
قلت: وإن كان فى هذا التشبيه بركبتى البعير شئ من البشاعة، فإن العرب في ذلك الوقت كانت تنطق باللفاظ تستبشع فى هذا الوقت، فلذلك إن الفاضل يتوخى ذلك (٩) إذ لو جاء أحد فى عصرنا هذا فشبه بعض الرؤساء الكبار بركبة جمل دسّها منه فى مكان لا يذكر، فحسب كل وقت فصاحة وبلاغة ولكل لفظ زمان صناعة وصياغة، وتذكرت بقول معوية رضى الله عنه فعبد شمس هاشم، نبذة هى من سحر القول بلغ بها صاحبها غاية الحسن والأدب، ووصل بها إلى فوق ما طلب، وذلك أن بعض بنى أميّة لم يحضرنى اسمه عرض للرشيد رحمه الله فى طريقه فأعطاه رقعة فيها مكتوب <من الرمل>:
(٥ - ٦) اجتهد. . . علاثة: انظر كتاب الشعر ١٩٢
(٥ - ٦) عامر بن الطفيل: انظر الأعلام ٤/ ٢٠ - /٢١/علقمة بن علاثة: انظر الأعلام ٥/ ٤٨
(٩ - ١٥) قلت. . . طلب: لم أقف على هذا النص فى أنباء نجباء الأبناء