للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحين بسرقة النظرة وهى لا تعلم، وكانت ابنة خال للحرث تسمّى رضوى، فبينا هى فى طواف البيت إذ أدركها عطش كادت تتلف منه فلم تنظر بالطواف من تدلّ عليه غير الحارث فكلمته بدالية القرابة وسألته شربة من الماء قأتاها بذلك وذلك بمرأى من ليلى عند بعد ومرأى من أبى قبيس فحمله الهوى إلى مكالمة ليلى وقال:

أتنظرين يا ليلى لما فعل الحارث؟ قالت: وما فعل؟ قال: إنّه لما انطار ضوى الماء أنشدها شعرا يتضمّن تعلّقه بحبّها وأجابته أنّ بها أضعاف ما به، قال: ولم يكن القوم يعرفون قبل ذلك كذبا ولا اختلافا، قال: فرجعت إلى أحياء أبيها وقال لترحلنّ بنا أو أعدم نفسى الحياة، قال: فأمر بالرحيل من وقته فبلغ ذلك الحارث فأتا ابنة عمّه فحلفت لا عادت تفاوضه بكلام واستمرّ رحيل القوم فحقّق الحارث الحال فوجده من أبى قبيس فاخترط سيفه وقصده فهرب منه فى أبى قبيس وهو هذا الجبل ولم يطلع (١٢٢) له بعدها على أثر ولا علم له خبر، فنسب الجبل إليه وسمّى باسمه.

قلت: ولنذكر هاهنا تتمّة الخبر وما كان من أمر الحارث وابنة عمّه ليلى لإكمال الفائدة ولما فيه من رقّة الشعر، قال عبد الملك بن هشام: وكان ممّا ألفاه أبو قبيس على لسان رضوى والحارث من الشعر أنّه قال لليلى لمّا سألته عن قولهما فقال: إن الحرث لمّا ناولها الإناء الماء أنشد (من الطويل): (١) (٢)

إذا نحن خفنا الكاشحين فلم نطق ... كلاما ما تكلّمنا بأعيننا شزرا (٣)

فنقضى ولم يفطن (٤) ... لنا كلّ حاجة

ولم نظهر الشكوى ولم نهتك السترا

ولو قذفت أحشاؤنا ما تضمّنت ... من الشوق (٥) والبلوى إذن قذفت جمرا


(١) كتاب الزهرة ١/ ٩٢،١٦ دون نسبة؛
(٢): الكامل ٤٢٦، -١، منسوب إلى الرقاشى الفضل بن عبد الصمد
(٣) شزرا: سرا الزهرة
(٤) يفطن: يعلم الزهرة
(٥) الشوق: الوجد الزهرة