والله إنى أنفعهم لك وخيرهم. فانتبه جرير فقال: ويحك! وكيف ذلك! قال: إنى أملّح الشعر وأجيد مقاطعه ومباديه، فقال: قل ويحك! فاندفع أشعب فنادى بلحن بن سريج <من الكامل>:
يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرّحيل وقبل لوم العذّل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرّحيل فعلت ما لم أفعل
فطرب جرير وجعل يزحف نحوه حتى مست ركبته ركبته وقال:
لعمرى لقد صدقت، إنك لأنفعهم لى، ولقد حسّنته وأجدته وزيّنته، أحسنت والله، ووصله وكساه. فلما رينا إعجاب جرير بذلك الصوت قال له بعض أهل المجلس: فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء! قال: وإنّ له لواضعا غير هذا؟ قلنا: نعم. قال: فأين هو؟ قلنا: بمكة، قال: فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه. فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب فى طلب الشعر فى صحابته، وكنت منهم. فقدمنا مكة فأتينا بن سريج جميعا، فإذا هو فى فتية من قريش كأنهم المها مع ظرف كثير، فرحّبوا (٢٦٠) وأدنوا، وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال: سال ما تريد جعلت فداك. قال: أريد أن تغنينى لحنا سمعته بالمدينة أزعجنى إليك.
قال: وما هو؟ قال <من الكامل>:
(٤ - ٥) يا. . . أفعل: ورد البيتان فى النقائض ١٩٩ - ٢٠٠