صعبا. فأخذ أبو مسلم بيده يعركها ويقبّلها ويعتذر ويتنصّل؛ فقال له المنصور وهو آخر كلامه له: قتلني الله إن لم أقتلك! ثم صفّق بإحدى يديه على الأخرى فخرج إليه القوم وخبطوه بسيوفهم، والمنصور يصيح: إضربوا! قطع الله أيديكم! وكان أبو مسلم قد قال عند أول ضربة: استبقني يا أمير المؤمنين لعدوّك! قال: لا أبقاني الله إذا أبدا إن أبقيتك، وأيّ عدوّ هو أعدى منك؟! وكانت قتلته يوم الخميس لخمس بقين من شعبان. وقيل: لليلتين بقيتا منه. وقيل: قتل يوم الأربعاء لسبع ليال خلون من شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة. وقيل: سنة أربعين ومائة برومية المدائن وهي بليدة بالقرب من الأنبار على دجلة بالجانب الشرقي معدودة من مدائن كسرى.
قلت: نظرت في مسوّداتي: ملكان إسلاميان أول اسم كلّ منهما عين قتل كلّ واحد منهما ثلاثة ملوك أول اسم كلّ واحد عين؛ فأحدهما عبد الملك بن مروان قتل عبد الله بن الزبير، وعمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. والآخر عبد الله المنصور هذا قتل عمّه عبد الله بن عليّ، وعبد الجبّار بن عبد الرحمن والي خراسان، وعبد الرحمن أبا مسلم هذا. وروي أنه قال له حين أراد قتله: هل كنت قبل قيامك بدولتنا جائز الأمر على عبدين؟ قال: لا يا أمير المؤمنين! قال: فلم لا تعرض حالتي عسرتك ومهابتك على أيّامنا، وتعرف لنا ما يعرف غيرك من إجلالنا وإعظامنا حتّى لا ينازعك الحين عنان الطمأنينة؟ قال: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين؛ ولكنّ الزمان وإساآته قلبا ما كان من حسن صنيعي. قال: فلا مرغوب فيك، ولا مأسوف عليك، وقى الله تعالى خلقه منك! وأمر بقتله فقتل. ثم أدرجه في بساط. ودخل عليه جعفر بن حنظلة فقال له المنصور: ما تقول في أبي مسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل! فقال المنصور: وفّقك الله! ها هو ذاك في البساط! فلمّا نظر إليه مقتولا،