عليك يا أمير المؤمنين! قال المنصور: يا عبد الله! إنّ ردّ السلام أمان، وليست تسخو نفسي بذلك! هات فحدّثني! قال: والله يا أمير المؤمنين ما أقدر على النفس من ثقل ما عليّ من الحديد وصدئه، وذلك أني أبول فيرشّش عليه فيصدأ. قال: يا مسيّب! أطلق عنه الحديد فأطلق عنه؛ وكانت بنو أميّة تقعد على الأسرة وتثني الوسائد لبني هاشم فأمر فثنيت له وسادة وقال: هات الآن! قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنّه لمّا جاء عبد الله ففعل بنا ما فعل فكنت المطلوب من بين الناس فدخلت إلى خزانة لي فأخرجت عشرة آلاف دينار فدفعتها إلى عشرة غلمان لي ممن أثق بهم، وأمرتهم أن يشدّوها في أوساطهم، ثم دخلت عودا على بدء فأخرجت أسرى جوهر عندي وألف دينار فشددتها في وسطي، ثم أمرت بأسرى فرش لي فحمل على خمسة أبغل، وركبت مع غلماني أفره دوابّي، وخرجت هاربا فدفعت إلى قفر لا أنيس به فإذا قصر خراب فأمرت فكسح لي ناحية منه، وفرش لي، وأمرت أوثق غلماني فقلت: إمض إلى ملك النوبة فخذ لي منه أمانا وامتر لنا ميرة فمضى فأبطأ أياما فسؤت ظنا ثم عاد ومعه آخر وإذا هو ترجمان الملك فدخلا عليّ فقال الترجمان: أين صاحبك؟ فأومأ إليّ فأقبل فكفّر ثم قبّل يدي ووضعها على صدره وقال: الملك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: ما الذي جاء بك إلى بلدي، أراغب في ديني أم محارب لي أم مستجير بي؟ فقلت: تقرأ على الملك السلام وتقول له: أمّا الرغبة في دينه فإني لست أبغي بديني بدلا، وأمّا محارب له فمعاذ الله، وأمّا مستجير به فلعمري ذاك! قال: إنّ الملك يقول لك لا تحدث شيئا في ابتياع ميرة فإنه يوجّه إليك جميع ما تحتاجه، وصائر إليك بنفسه بعد ثلاث. فلمّا كان في اليوم الثالث أمرت ففرش لي، ونصب لي منبر وله آخر ثم صعدت فقعدت بين شرفتين من شرف القصر أرقب مجيئه فلمّا تعالى النهار إذا أنا برجل قد أقبل حافيا حاسرا عن رأسه بين يديه سبعة نفر بأيديهم الحراب، وخلفه ثلاثة؛