روي أنه أجري بحضرة المنصور ذكر الحلم والإغضاء على المكروه؛ فقالوا: قد كان معاوية بن أبي سفيان له حظّ من ذلك، فقال المنصور: أتدرون ممن أخذ معاوية ما ذكرتم؟ قالوا: لا والله يا أمير المؤمنين! قال: إنّ أبا عمرو ابن أحيحة بن الجلاح الأوسي نكح سلمى بنت عمرو بن زيد العدويّة، وكانت قبله عند هاشم بن عبد مناف فولدت لهاشم عبد المطّلب بن هاشم، وولدت لأحيحة عمرو بن أحيحة فنشأ عمرو أريبا مهيبا حليما جوادا فكان أترابه من قومه-وهم الذين ولدوا معه في وقت واحد-يحسدونه لعجزهم عن شأوه فيغضّون منه ويقصّرون به ويؤذونه ويسمعونه المكروه فلا يزيده ذلك إلاّ إغضاء وعلى غلوائه إلاّ مضيّا. فقال له قائل منهم: علام تقرّ ما تسمع منه الأذى وأبوك أعزّ من بين لا بتي يثرب؟! فقال له: لو أني أهشّ لكلّ شرارة إذ تبلغني لحسرت على ذلك ولم أبلغ منه ما أريد، ولشغلني ذلك عن أكثر أمري، ونال من يبلغني ذلك عنه ما طلب، والصبر على ما أكره أخفّ عليّ من التسميع به. وإذا تكلّم المتكلّم في الأمر ثم نزع عنه قبل أن يبلغ أقصى بالذي تكلّم به عجزه ذو البصيرة والفضل. ومن عارض الناس في كلّ ما يكون منهم اشتدّ ذلك من فعله عليهم، ونقّبوا عليه، وانكشف لهم من أمره ما لا يحبّ كشفه. ومن (٣٩) خاصم من الناس من ليس له خطر صغر قدره، وهان على من كان يكرمه، واجترأ عليه من كان يهابه، وصغر <على> من كان يجلّه. وإذا استشرى الشرّ