للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرى. وصون المرء نفسه بالعلم خير من ابتذالها بالجهل. والفراغ من أذاة أمر لا يعنيك ولا ينفعك خير من الوقوف عليه. ولا خير فيما شغلك عن إكرام عرض أو صون حسب. ومن ماظّ الناس ماظّوه. ومن قال لهم ما فيهم قالوا له ما ليس فيه، واستمع بأذنه ما كان الناس يقولونه في أنفسهم. فلا تجعل للناس عليك مقالا فيما بينهم، واحرس نفسك من غيرك، ووقّرها بالحلم يوقّرك من سواك، فإنّ الحلم رأس الحكمة، ومن كان حليما كان حكيما؛ وقد قال الهذلي (من الوافر):

أذاة لو أشاء لقلت فيها ... وإنّي بمثلها طبّ عروف

تركت لها الفضاء فأمكنتها ... سهول الأرض والحزن الجروف

ولم تنطق رواة السوء فيها ... وحنت على مكارههم أزيف

ولو عارضتها اشتعلت وشاعت ... ولا ستعلت كما استعلى الغريف

هذا كلام يتألّق منه شعاع الشرف، ويترقرق عليه صفاء العقل، وينبت فيه فرند الحكمة. ومن تدبّر فيه صفت له العيشة ناعمة، وانقادت له السعادة راغمة. وفي مطاويه كلمات من الغريب لعلّها تعجم على غير الأديب الأريب ها نحن نشرحها. قوله: لحسرت دون ذلك، أي لا نقطعت؛ والحسر القطع.

وقوله: إذا استشرى شرى يقال شرى الغضب والشرّ والبرق، أي لجّ وتتابع، واستشرى استفعل. وقوله: من ماظّ الناس ماظّوه؛ المماظّة المشارّة، واستماع المكروه في الخصام وهي المماظّة والمشارّة-هذا الفصيح. وقوله: نقّبوا عنه، أي بحثوا وفتّشوا واستخرجوا. (٤٠) وقول الشاعر أذاة: الأذاة والأذى سواء، وكأنّ الأذاة أنثى للأذى أو واحدته. وقوله: طبّ؛ الطبّ بالشيء الحاذق البصير به النافذ فيه المتأنّي له. وقوله: تركت له الفضاء، هذا مثل ضربه للتغافل