حاذق الأمين. واخترعت فيه من المحاضرات ما يلتذّ بها السامع التذاذ المسرف بالمسكرات، وأثبتّ فيه كائنة البرامكة من رواية المسعودي فلا أذكرها في هذا التاريخ حرمة لذلك الكتاب المقدّم ذكره، وخشية (١١٤) أن يتكرّر الكلام فيما ألفته، فيقع الخطأ، ويعود من عيوب الشعر بمنزلة الإيطاء. وعلى الجملة فإنّ المؤرّخين أجمعوا أنّ سبب نكبتهم أخت الرشيد. فمنهم من ادّعى أنّ اسمها العبّاسة. ومنهم من قال ميمونة؛ وكان الرشيد يحبّها ولا يطيق الصبر عنها، وكذلك جعفر في منزلتها عنده في المحبّة فقصد أن يعقد له عليها لتحلّ له بالنظر وأوصاه أن لا يطمع نفسه منها بغير النظر. وكان كلّ من في القصر لا يحجب عن جعفر إلاّ زبيدة أمّ الأمين وهي تكنّى أمّ جعفر؛ وكانت تكره جعفرا ويحيى وجماعة البرامكة، وكانوا يحصرون عليها نفقاتها وإنعاماتها، ولا يجيزون أوامرها فشكت ذلك للرشيد فقال ليحيى: يا أبه! إنّ أمّ جعفر تشكو منك! فقال: أمتّهم أنا يا أمير المؤمنين؟ فقال: معاذ الله! فقال: فلا يرجع أمير المؤمنين لأقوال النساء! ثم قوّى يحيى وجعفر الاحتجاز عليها فقلقت لذلك ولم تطق الصبر عليه؛ وكان الرشيد قد غزا في تلك السنة الروم وغاب مدّة وترك جعفر وراءه. فلمّا قدم الرشيد قال لزبيدة: لو وجدت من يعرّفني ما كان فعل جعفر في قصري! أنا متعوب وهو مستريح! فقالت: يا أمير المؤمنين! أرجو أنّ الزمام يحدّثك! فاستدعى بمسرور وجلس جلسة الغضب وقال: حدّثني ما فعل جعفر في قصري! فقال: يا أمير المؤمنين! لا علم لي إلاّ أنّ الساعة دفعت إليّ أختك ميمونة هذه الرقعة وقالت: ادفعها لجعفر! ففضّها فإذا فيها مكتوب (من الطويل):
عزمت على قلبي بأن يكتم الهوى ... فصاح وأنبا إنني غير فاعل
(١١٥) من ميمونة المتيّمة بالهوى إلى سيّدها جعفر الذي بيده الداء والدواء.