وحسب-وكان فاضلا عالما جدا؛ فقال: صدقت-والله-يا أمير المؤمنين هو كما ذكرت! ثم خرج من عنده. قال مسرور: فاستدعاني الرشيد وقال لي:
اضرب لي القبة الحمراء في وسط القصر وضع فيها الدست المذهّب والإبريق ففعلت. فلمّا مضى من الليل شطره طلبني وقال: إمض في هذه الساعة إلى جعفر وقل له: قد وصلت خريطة من خراسان ولم يقرأها أمير المؤمنين حتّى تحضر، فهل لك في الحضور؟ قال مسرور: فمضيت لما أمرني به ودخلت على جعفر وهو في مضجعه فقال: ليس لي معه لا نوم ولا قرار، ما الخبر؟ فعرّفته فلمّا سمع بأمر خراسان نهض فأفرغ عليه ماء ثم لبس أفخر الثياب وخرج ومعه ألف مملوك بالمناطق الذهب. وكان جعفر قد اشتمّ بعض خبر فكان شديد الحرص على نفسه، وكان الرشيد قد أمر البوّابين والحجّاب مع جماعة كبيرة رتّبهم معهم مختفين أن لا (١١٧) يمكّنوا أحدا ممن يصحبه جعفر من العبور معه؛ وكان من عادته أنه لا يلتفت إلى خلفه أبدا. فلمّا وصلنا إلى القصر دخل جعفر مسرعا فلم يشعر بنفسه إلاّ وهو وحده فالتفت إليّ وقد فهم ما يراد به فقال: يا مسرور! هذا وقت الصنيعة راجع فيّ أمير المؤمنين فإن أمر برأسي فلك ذلك وإلاّ فأكون عتيقك، ولك من الأموال سبعين قفلا من عين، والله على ما أقول وكيل! قال مسرور: فرحمته وتركته محتفظا به، ودخلت على الرشيد فلمّا رآني غضب وقال: ويلك! أين رأس جعفر؟ إن كنت عجزت عنه فعندي من هو أشدّ منك يأخذ رأسك ورأسه! قال؛ فخرجت مسرعا فوجدت جعفر يصلّي فضربت عنقه في سجوده، وجعلت رأسه في الطست، وغطّيتها بالمنديل الذهب ثم دخلت بها إلى الرشيد فلمّا رآها بكى وأغمي عليه ساعة ثم قال: يا مسرور! أما كنت ترفق به؟ أما كنت تعلم أنه كان يحبّك ويعرف مقدارك؟ ثم بكى وأغمي عليه ثانية فلمّا أفاق قال: يا جعفر! خوّلناك ورفعناك وائتمنّاك فلم تف لنا ففعلنا بك ما تستحقّ! ثم قال: يا مسرور! عليّ بالأمين والمأمون وابن حميد متولّي بغداد فأشخصتهم فقال: تركبون في هذه الساعة إلى منازل