وكان جعفر جميلا بارعا في الجمال، لذيذ المفاكهة، راويا من كلّ فنّ، جامعا لسائر العلوم والآداب؛ فأحبّته أخت الرشيد محبة ما عليها مزيد وراسلته فامتنع ونهر رسولها وتهدّده فلمّا يئست منه احتالت عليه بأمّه وصحبتها حتّى ملكت قلبها ولم تزل بها في حديث طويل أثبتّه بكماله في ذلك الكتاب-حتّى احتالت على ولدها جعفر وأوهمته أنها جارية شرتها وعلّقت قلبه بذكرها ورصدته حتّى أتى ليلة من عند الرشيد وقد طفح به السكر، وكانت أخت الرشيد قد تنكّرت في تلك الليلة وحضرت إلى عند أمّ جعفر (١١٩) فأخلتها معه وهو يظنّ أنها تلك الجارية التي وعدته أمّه بها فواقعها فوجدها بكرا فلمّا نهض عنها قالت له: كيف رأيت حيل بنات الملوك؟ فقال: وأيّ بنات الملوك أنت؟! فقالت: أنا زوجتك العبّاسة أخت مولاك أمير المؤمنين! فعندما سمع ذلك سقط إلى الأرض ولم تحمله ركبتاه وقال: والله لقد عملت على خراب بيوت آل برمك إلى آخر الأبد! ثم إنها علقت منه وولدت واستمرّ أمرها معه، واحتسبت لا يعلم بأمر ولدها فأنفذته إلى المدينة النبوية على ساكنها السلام. ثم إنّ زبيدة نمّت عليها وعلى جعفر لبغضها في آل برمك، وعرّفت الرشيد ما كان من جعفر وأخته سرا فحجّ في تلك السنة وتوقّع على الولد حتّى ظفر به وصحّح الخبر وكتم أمره حتّى أوقع بجعفر. وقال المسعودي في قتلة جعفر إنها كانت بسرّ من رأى في المخيّم، وإنّ الرشيد خرج مع جعفر ليودّعه عند مسيره إلى خراسان، وإنه جلس تلك الليلة التي قتله فيها مع الرشيد على مجلس الشراب وعاد الرشيد يشرب نصف الكأس ويعطيه لجعفر ويتناول أيضا منه نصف كأسه فيشربه منه، وجعل فخذه على فخذه ولم يزالا كذلك حتّى نهض جعفر يريد المضيّ إلى