قرطاس وختمها وأعطاها للجرائحي ودلّه على شخص في مكان ببغداد يوصل تلك الرقعة إليه. فظنّ الجرائحيّ أنها ضرورة له فلمّا أحضرها لذلك الرجل وقرأها بكى حتّى أغمي عليه ثم نهض وأقبل ومعه كيس فيه ألف دينار فقال للجرائحي: خذ يا مولاي هذه الدنانير تصرّف (١٢٦) فيها! واقبل العذر في هذا الوقت! فلمّا رآها الجرائحيّ، وسمع ذلك منه شخر وقال: والله لو علمت أنّ إنفاذي لهذا لما أتيت إليك! وقفز مغضبا وأتى بيته، وانقطع عن الفضل وتحيّل ذلك الرجل حتى أعاد الجواب إلى الفضل بما كان من أمر الجرائحيّ.
فقال الفضل: لا حول ولا قوة إلاّ بالله استقلّ الرجل ما أعطي، ولم يعلم أنّه لم يبق لنا شيئ! ثم أنفذ خلفه ولا طفه وقال: والله لم يدع لنا الرشيد ما إذا قصدنا أن يبلغنا ليلة واحدة فنجده! وإنما هذا الذي أعطاك رجل كنّا أسدينا إليه خيرا فقصدناه؛ وها هو قد جعلها ألفي دينار! فأنعم أيّها الرجل عليّ بقبول ذلك- وهو يحدّثه وقد أخرج الجرائحيّ من جرمدانه موسى أمضى من القضاء وأمسك بلحية نفسه، وجعل الموسيّ على نحره وقال: وحقّ ربّ البرية إن عاودتني في شيئ من هذا الكلام ذبحت نفسي بيدي! أتظنّ يا مولاي أنّني استقللت ذلك؟! لا والله! وإنّما والله لا أخذت على خدمتي لك جزاء أبدا ولو ملو الأرض ذهبا، فلا تعاودني أتلف نفسي بين يديك! قال؛ فتعجّب الفضل ويحيى لغزارة مروءة ذلك الرجل. فلمّا خلا الفضل بأبيه يحيى قال: يا أبة! كم تظنّ أنّنا لنا من الصنائع على الناس؟ والله إن صنيعة هذا الحجّام أعظم من كلّ شيئ فعلناه! قال؛ فبلغ ذلك آل الربيع-وكانوا قد تمكّنوا من الرشيد بعد آل برمك-فوشوا بجميع ذلك للرشيد وقالوا: يا أمير المؤمنين! أليس يحيى بن خالد يزعم أنه لم يبق شيئ حتّى أنفذ يستعطي من أمير المؤمنين ملبوسا لفضل؟ ها هو قد أنعم