صاحب كتاب سلوان المطاع أيضا رحمه الله تعالى> عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي قال: كانت عتابة أمّ جعفر بن يحيى بن خالد تزور أمّي بعد نكبة البرامكة بمدة طويلة، وكانت لبيبة من النساء حازمة برزة فصيحة.
فكان يعجبني أن أجدها عندها فأستكثر من حديثها فقلت لها يوما: يا أمّ! إنّ بعض الناس يفضّل جعفرا على الفضل، وبعضهم يفضّل الفضل على جعفر! فقالت:
ما زلنا نعرف الفضل للفضل! فقلت: أكثر الناس على خلاف (١٢٨) هذا! قالت: أنا أخبرك عنهما واقض أنت! قال؛ فقلت: هات! وذلك الذي أردت منها. فقالت: كان الفضل وجعفر يلعبان في داري فدخل أبوهما فدعا بالغداء وأحضرهما فطعما معه وأقبل عليهما يؤنسهما بحديثه فقال: أتلعبان بالشطرنج؟ فقال جعفر-وكان أجرأهما-:نعم! فقال له: هل لاعبت أخاك بها؟ فقال جعفر: لا! قال: فإذا فرغنا من غدائنا فالعبا بين يديّ حتّى أرى اللعب لمن منكما؟ فقال جعفر: نعم! فلمّا رفع الطعام جيء بالشطرنج وصفّت بينهما فأقبل عليها جعفر وأعرض عنها الفضل فقال له أبوه: ما لك يا بنيّ لا تلاعب أخاك؟ فقال: لا أحبّ ذلك! فقال جعفر: إنه يرى أنه ألعب مني، وأنا ألاعبه مخاطرة! فقال الفضل: لا أفعل! فقال أبوه: لاعبه وأنا معك! فقال جعفر: نعم! فقال الفضل: لا! واستعفى أباه فأعفاه. ثم قالت لي عتابة: قد حدّثتك عنهما فاقض! فقلت: قد قضيت لجعفر! فقالت: يا بنيّ! لو عرفت أنك لا تحسن القضاء ما حكّمتك! فقلت لها: وما الذي أنكرت من قضائي؟ فقالت: ألم تر أنّ جعفرا قد سقط فيما حكيت لك أربع سقطات تنزّه الفضل عنهنّ؟! فقلت لها: في ماذا سقط؟ فقالت: سقط أولا حين قال إنه يلعب بالشطرنج-فاعترف عند أبيه بالهزل وكان أبوه صاحب جدّ. قلت: هذه واحدة. قالت: وسقط في التزام ملاعبة أخيه، وفي ذلك إظهار الشهوة لغلبه والتعرّض لغضبه. فقلت:
وهذه ثانية. فقالت: وسقط في قوله ألاعبه مخاطرة؛ وأخبر عن نفسه بالمقامرة،