ومن جملة ما أظهر المأمون للناس من عيوب أخيه الأمين أنّه قال: وعنده شاعر ماجن يحلّل في شعره ما حرّم الله، ويحضّ الناس على التهتّك في المحارم؛ وهو قوله (من الطويل):
ألا سقّني خمرا وقل لي هي الخمر ... ولا تسقني سرا متى أمكن الجهر
وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى ... فلا خير في اللذات من دونها ستر
فما الغبن إلاّ أن تراني صاحيا ... وما الغنم إلاّ أن يتعتعني السكر
وخمّارة نبّهتها بعد هجعة ... وقد لاحت الجوزاء وانحدر النسر
فقالت من الطرّاق قلت عصابة ... خفاف الأذى تبتغى لهم الخمر
ولا بدّ أن يزنوا فقالت أو الفدا ... بأبلج كالدينار في طرفه سحر
وجاءت به كالبدر ليلة تمّه ... تخال به سكرا وليس به سكر
فقمنا إليه واحدا بعد واحد ... فكان به من طول عرمتنا فطر
قال حمزة في شرحه: قوله: إلا سقّني خمرا وقل لي هي الخمر! ما الفائدة في ذلك أليس أنه علم أنها الخمر فما فائدة قوله: وقل لي هي الخمر! وذلك أنّ الإنسان له حواسّ خمس: حاسّة النظر والشم والذوق والسمع واللمس فلمّا تناول كأسها بيده استلذّ تلمسه إيّاها ثم استلذّ بنظرها ثم بشمّها ثم بذوقها فبقي السمع فقال: قل لي هي الخمر! كي يستلذّ سمعه بذكرها (١٣٥) فحينئذ تستكمل اللذّة الحواسّ الخمس. قلت: لعمري لقد تغالى فيما حرّم الله تعالى! عفا الله عنه!