نصيحة يا أمير المؤمنين! فقدّم! وقال: ما نصيحتك؟ فقال: والله إني لم أكن من القوم، ولا أعلم ما يقولون! وإنّما أنا رجل طفيليّ رأيت هؤلاء القوم مجتمعين فظننت أنّهم في وليمة فلم أشعر إلاّ وقد قبضوا عليهم وأنا في الجملة! فقال المأمون: يؤدّب الطفيلي! فنهض إبراهيم بن المهديّ وقال: هبه لي يا أمير المؤمنين لحالة جرت لي أقصّها لأمير المؤمنين! فقال: هات ما معك يا عمّ! فقال؛ نعم يا أمير المؤمنين! كنت ذات يوم في بعض أزقّة بغداد راكبا دابّتي إذ شمّمت من بعض تلك الآدر رائحة طعام حسن الرائحة كثير الأبزار فتاقت نفسي إليه فرفعت بصري أنظر إلى الدار التي فيها تلك الرائحة فإذا أنا بمعصم في شباك كأنّه عمود رخام أو قطعة من نور؛ قد قمّع أطراف الأنامل بأحمر فعاد كما قال (من الطويل):
(١٦٧) وأومت إلى خدّ كأنّ بياضه ... بريق سيوف أو لهيب حريق
قال إبراهيم: فشغلني حسن ذلك المعصم عن رائحة الطعام فبهتّ ساعة فلمّا أحسّت صاحبته بتأمّلي إليها قامت وغلّقت باب الشبّاك فأخذت قلبي وجميع جوارحي فحرّكت دابّتي إلى خيّاط على رأس الزقاق فسألت منه: لمن الدار؟ ومن هو صاحبها؟ فقال: هو رجل تاجر كبير القدر يقال له أبو محمد ابن خواجا عمر، ويدعو اليوم عنده دعوة لجماعة من أصحابه ونظرائه. فهو معي في الكلام وإذا قد ظهر ثلاث نفر ركّاب على دوابّ فره عليهم آثار الحشمة؛ فحرّكت دابّتي إلى نحوهم وقلت: جعلت فداكم إنّ أبا محمد قد أعياه انتظاركم وقد بعثني مستحثا لسرعة قدومكم! ثم تقدّمتهم إلى باب المنزل فخرج صاحب الدار وتلقّانا بأحسن متلقّى وهو يظنّ أنّي رفيقهم وهم يظنّون أنّي من جهته.
وصرت مع الجماعة إلى منزل حسن قد فرش وزيّن فجلسنا ساعة نتحادث ثم