أحضرت الموائد من ذلك الطعام الذي شممته فأكلت منه حدّ الكفاية وقلت:
هذا الطعام قد أخذت حظّى منه فكيف لي بصاحبة المعصم؟ ثم أحضروا آنية الشراب وخرجت شابّة كأنّها قضيب خيزران لكنّها ليست هي صاحبة المعصم فسلّمت وجلست واستدعت بعود كما قيل في مثله (من الطويل):
سقى الله أرضا أنبتت عودك الذي ... زكت منه أعراق وطابت مغارس
تغنت عليه الورق والعود أخضر ... وغنّت عليه الغيد والعود يابس
فغنت وحرّكت عليه عدّة طرائق وعادت فكان كما قيل (من الكامل):
(١٦٨) في كفّ جارية كأنّ بنانها ... من فضّة قد طوّقت عنّابا
وكأنّ يمناها إذا نطقت به ... تلقى اليمين على الشمال جوابا
ثم أصلحت شاذّه وحرّكته ثانيا فخيّل لي أنّ الأركان من الدار ترقص من حسن لعبها واستقبلت وأنشدت تقول (من الطويل):
يقولون كم تذري المدامع عينه ... لك الدهر دمع دائم يتحدّر
وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنّها نفس تذوب فتقطر
قال؛ فلم أتمالك نفسي يا أمير المؤمنين دون أن صرخت صرخة طنت لها المكان. فأمسكت ساعة ثم إنّها أعادت الضرب وغيّرت الطريقة وحرّكت وأنشدت تقول (من الطويل):
شكوت فقالت كلّ هذا تبرّما ... بحبّي أراح الله قلبك من حبّي
ولمّا كتمت الحبّ قالت لشدّ ما ... صبرت وما هذا بفعل شجي القلب
وأدنو فتقصيني وأبعد طالبا ... رضاها فتعتدّ التباعد من ذنبي
فشكواي تؤذيها وصبري يسؤوها ... وتجزع من بعدي وتنفر من قربي
فيا قوم هل من حيلة تعرفونها ... أشيروا بها واستربحوا الأجر من ربّي
قال؛ فصرخت أخرى أشدّ من الأولى فأمسكت من بعدما نظرت بعينها