نفسي الفداء لمن قامت تودّعني ... والصبر قد غاب والتوديع قد حضرا
فخلت محمرّ دمعي في غلائلها ... من حبّ رمّان نهديها قد انتثرا
قال؛ فصرخت الجارية وقالت: السلاح يا قوم! هذا في الأحلام لا يكون، فكيف في اليقظة؟! فطاب لهم الشراب وسكروا الأصناف، وانصرفوا محمولين إلى منازلهم وبقيت أنا وصاحب البيت (١٧٠) إذ كان أصحّ منهم عقلا وأثبت جأشا. فلمّا خلونا قال: يا سيّدي! لقد ضيّعنا ما كان من أعمارنا في غير فائدة إذ لم نكن نعرفك فيه، فيالله من تكون، وكيف كان سبب تصدّقك علينا؟ قال؛ فقصصت عليه الحال وعن الطعام وصاحبة المعصم وعرّفته بنفسي فنهض يا أمير المؤمنين قائما وقبّل الأرض وقال: أنا جالس مع الخلافة ولا أشعر؟! والله لا برحت أو أعرض عليك سائر من عندي! وأمر بإخراج سائر جواريه وسراريه فلم أجد صاحبة المعصم فيهم. فقال: والله يا سيّدي لم يبق غير الوالدة والأخت. فقلت: فالأخت خالية من بعل؟ فقال: نعم! فقلت: إبدأ بها جعلت فداك! فأخرجها فإذا هي صاحبة المعصم بعينها. فلمّا عرفتها أطرقت إلى الأرض حياء فقال: يا سيّدي! ترى أن أكون عبدك وهي أمتك؟ وأعقد لك عليها؟ فقلت: نعم! قال؛ فأمر برفع تلك الآنية وأحضر عشرة من مشايخ جيرانه، وأخرج بدرة دراهم وقال: إشهدوا عليّ أنّي زوّجت أختي فلانة من سيّدي إبراهيم بن المهدي هذا، وأمهرتها عنه من مالي هذه البدرة. ثم أمر بجملة نثار نثر على تلك الجماعة وصرفهم. وقال: إن شئت مهّدت لك فبتّ مع أهلك هنا، وإن شئت حملتها إليك! فاستحييت أن أبيت معها في منزل الرجل؛ فأمر بعماريتين وحملت إلى منزلي ومعها من القماش والأمتعة ما ضاقت به منازلنا، واستولدتها هذا القائم على رأس أمير المؤمنين! فأعجب المأمون م