شوّال سنة خمس وخمسين ومائتين ظهر فى فرات البصرة رجل زعم أنه عليّ بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وجمع الزنج الذين يكسحون السباخ-واسمه فيما ذكر علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه في عبد القيس-وكان ظهوره أولا في سنة تسع وأربعين ومائتين، وكان عيّارا مشعبذا متكلّما في علم النجوم، ويكتب العوذ فاستغوى جماعة من الزنج والغلمان وذوي الجهل، وعبر دجلة وأفسد وقاتل من مرّ به في طريقه ثم مضى إلى البحرين وادّعى أنه من ولد علي بن أبي طالب عليه السلام، ودعا إلى نفسه فتبعه خلق عظيم، وأتاه جماعة فوقع بينهم قتال فانتقل إلى الأحساء وضوى إلى حيّ من بني تميم. ولم يزل يتنقّل من حيّ إلى حيّ ويقوى أمره إلى سنة سبعين ومائتين؛ لما يذكر من هلاكه.
وفي هذه السنة استفحل أمره وقويت شوكته، وعاث في بلاد السلطان، ووجلت القلوب من هيبته، وعاد لا يقاتله أحد من أصحاب السلطان إلاّ وظفر به في جميع قرى العراق لكثرة من انضوى إليه من المفسدين (٢٢١).وفيها خرج إليه من البصرة جعلان فلقيه فانهزم جعلان ومن معه. وأخذ صاحب الزنج أربعة وعشرين مركبا من مراكب البحر كانت قد اجتمعت تريد البصرة فبلغ خبرها الخبيث فهجم عليها واستولى على جميع ما فيها. وقوي أصحابه بذلك قوة عظيمة، وانضاف إليه خلق كثير ثم سار إلى الأبلّة فهجمها واستولى أيضا على جميع ما فيها فعظم أمره، وترقّت أحواله، ورتّب جيوشه وجعل جماعة من زنجه مقدّمين وقوادا. ولمّا صار بهذه القوّة خاف أهل البصرة منه خوفا عظيما، وانتقل منهم جماعة كبيرة تفرقوا في عدة أماكن. وفي سنة سبع وخمسين دخل