لم أعلم كتابا أنفع ولا أكثر فائدة في هذا العلم من زيج أبي معشر لأنه جامع لأكثر علم الفلك بالقول المجرّد المطلق من البرهان. وكتاب الزيج الصغير وهو المعروف بزيج القرانات يتضمن معرفة (٢٤٣) أوساط الكواكب لأوقات اقتران زحل والمشتري مذ عهد الطوفان. وكان أبو معشر مع هذا مدمنا لشرب الخمر مستهترا بمعاقرتها. وكان يعتريه صرع عند أوقات الامتلاآت القمريّة. وكان في أيام المعتضد معاصرا لأبي جعفر بن سنان. هكذا ذكر القاضي صاعد قاضي الأندلس صاحب كتاب طبقات الأمم من العرب والعجم، وصاحب كتاب الملل والنحل. والله أعلم.
قال صاحب كتاب الدول: لمّا أفضت الخلافة إلى الإمام المعتضد بالله قدم رسول عمرو بن الليث الصفّار عليه يسأله اصطناعه لنفسه وتوليته خراسان من قبله، وأحضر معه هدايا جليلة. فعقد له لواء وبعثه مع عيسى النوشريّ إليه ومعه خلع وعهد بما سأل. فوصل إليه عيسى في شهر رمضان من هذه السنة.
وكان السبب الذي بعث المعتضد على تولية عمرو وإجابة سؤاله أنه بعث إلى رافع بن هرثمة يأمره برفع يده عن ضياع سلطانية بالريّ فأبى ذلك. قال صاحب الدول، قال أبو القاسم داود بن سليمان، قلت لرافع بن هرثمة: لا تعصه فليس هو كمن تقدّمه من الخلفاء وهو بكتاب واحد يفسد عليك أمرك! فاغترّ ولم يقبل. وصادف ذلك تضرّع عمرو في طلب الولاية فولاّه. ثم كتب المعتضد بعد ذاك إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف يأمره بالمضيّ إلى الريّ ودفع رافع عنها فامتثل أمره وسار فلقي رافعا في يوم الخميس لسبع بقين من ذي القعدة من هذه السنة فانهزم رافع ودخل أحمد الريّ.