في يدك واتركني ردءا لك بهذا الثغر! فلم يجبه عمرو إلى ذلك. فأعاد الكتاب إليه يسأله أن لا يغرّر بالمسلمين في تعدية النهر فأعاد الجواب أنّي لو أشاء أن أسكّره بالبدر والأموال وأعبر العساكر عليه لفعلت! فلمّا علم إسماعيل أنه لا بدّ من محاربته جمع عساكره وعبر النهر إلى خراسان ولقي محمد بن بشر فهزمه وقتل في المعركة مع أكثر جيشه. ثم عاد إلى ماوراء النهر. فلمّا رجع المفلولون إلى عمرو أخذ في توبيخهم ولومهم على الانهزام فقال له بعض الأجناد: أيّها الأمير! إنّ إسماعيل قد طبخ فيما وراء النهر قدرا كبيرة وإنّما غرف لنا منها مغرفة والباقي بحاله فمتى شئت أن تذوق فافعل! فسكت عنه ثم تجهّز الصفّار وخرج بنفسه قاصدا حرب إسماعيل. وبلغه الخبر فسار إليه وعدّى (٢٥٤) النهر كما فعل في الكرّة الأولى. فنزل الصفّار على بلخ ونزل إسماعيل بإزائه وقطع الميرة عنه ومنعه النفوذ إلى ناحية من النواحي فصار الصفّار كالمحاصر وندم على ما فعل وطلب المحاجزة فأبى إسماعيل فعزم على الحرب فلم يكن بينهما كبير قتال حتّى انهزم الصفّار ومرّ على وجهه هاربا فمرّ بأجمة قيل له إنها أقرب الطرق فدخلها في خاصّته وأمر باقي العسكر بالرجوع في الطريق الجادّة قصدا أن يتبع عسكر إسماعيل الطريق الجادّة فينجو! فما سار في الأجمة إلاّ يسيرا حتّى وحلت دابته فلم يكن في نفسه حيلة وهرب من معه ولم يلووا عليه فأدركه السابقون من أصحاب إسماعيل فأسروه فخيّره إسماعيل بين بقائه عنده والتوجيه إلى باب المعتضد بالله فاختار التوجيه. فبعثه إلى باب الخلافة مع أشناس فوصل في أول جمادى الأولى من سنة ثمان وثمانين ومائتين فأمر الإمام المعتضد غلامه بدر بتلقّيه فلقيه وسلّم عليه عمرو وكنّاه ولم يؤمّره فاغتاظ بدر وزاد في إشهاره عند الدخول به، وأركبه جملا وحمله من المصلّى وشقّ به بغداد من باب خراسان؛ وكان في حال إشهاره تدمع عيناه وهو رافع يديه يدعو! فرقّ الناس له، وأمر المعتضد بحبسه في القصر فحبس إلى أن توفي في السجن يوم الثلاثاء لثمان خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثمانين ومائتين؛ فكانت مدة مملكته إلى حين أسره قريب من اثنتين وعشرين سنة.