شابّا فودّر جميع ما تركه له أبوه فى مدّة يسيرة وركبه دين كثير فاختشى وخاف من الاعتقال، قال: فتزوّد رغيفين خبز وقليل جبن وعدا إلى برّ الجيزة على عزم التسحّب من الدين، قال: فهو عند قناطر الجيزة وجد ورقة عتيقة مرميّة فقرأها فإذا فيها يقول: باب الدينار: وهو أن تأخذ من البخور كيت وكيت وتأتى إلى عند أبى الهول فتبخر بذلك البخور وتتلوا هذه الأسماء سبع مرات والبخور عمّال فإنّه يخرج لك لسانه وعليه دينار فتناوله منه ولا يهولك ذلك فإذا صار فى يدك بخرّه بكيت وكيت وضعه فى كفّة الميزان تجد قبالته مثله فخذه واجعله معه تجد قبالتهما (١٩٦) مثلهما كذا حتى لا نهاية له، قال: فرجع إلى سوق الجيزة واشترى البخور وتوصّل إلى عند أبى الهول وفعل جميع ما أمر به فخرج له الدينار فكان سبب سعادته.
قلت: هذا ما حكاه ذلك الشيخ العدل الفيّومى ولعلّه كان كذلك فإن سعادة ذلك الرجل كانت ممّا تحيّر العقول.
ويقال إنّ سبب سعادته أنّه كان يخدم عند الطواشى فاخر الخزندار فى أيّام مولانا السلطان الملك المنصور فى دولة مولانا السلطان الشهيد الملك الأشرف، وكانت الخزانة فى ذلك الوقت فى تصرّف الطواشى المذكور، وكان هذا ابن الجبّاس الغالب على عقل الطواشى فحصل ما حصل، وعلى الجملة: إنّ العبد سمع من القاضى فخر الدين ناظر الجيوش المنصورة وكان فى ذلك الوقت فى كتابة المماليك السلطانيّة وصحابة الديوان برفقة القاضى بهاء الدين بن الحلّى يقول لوالدى وأنا أسمع: لنا اليوم ثمان ليال نقصد نخلى الحمّام ما نقدر، فقال الوالد: ولم ذاك؟ قال: لأنّها مخلية مع هذا الرجل السعيد النصبة ابن الجبّاس منذ ثمان ليال كلّ ليلة يدخل مع جوار له غير الذين دخلوا البارحة، وآخر أمره أنّه توفّى فى سعادته