فوجد على وصطه كيس دراهم ألف درهم وأخذ حياصته وقلع فضّة سرجه وعدّته وسيّب فرسه وتوجّه عائدا إلى أهله، فكان ذاك سبب سعادته وعاد له دنيا كثيرة.
وحكى لى ذلك العدل أيضا، قال: كان الجبّاس المشهور بالسعادة العظيمة التى كانت تحيّر العقول حتى من جملة ما كان له فى كلّ يوم بدينار ذهب فاكهة مشموم كلّ أوان بما فيه من الشموم يرمى من ليله ويجدّد غيره، وكان له أربعين حضيّة من سائر الأجناس، كلّ واحدة فى دار لا تعرف بها الأخرى، وحكى عنه أنّه ولد له ولد من بعض حضاياه وكانت أعزّهم عليه وأحضاهم عنده، فقال لها: أيش تشتهى يكون متبوعك؟ قالت:(١٩٥) أشتهى كلّ امرأة أمير فى الدولة تكون فى فرحى، فقال لها: حبّا وكرامة! فلمّا كان يوم الفرح سيّر سائر حضاياه فى أفخر الملابس من سائر ما ينبغى أن يلبسنه نساء الأمراء وأوصاهنّ أن تقول كلّ واحدة منهنّ: أنا امرأة الأمير الفلانى! فى ذلك الوقت، ومضى لهنّ يوم ما شهد مثله فلمّا انقضى واجتمع بتلك الحضيّة صاحبة الفرح سألها كيف كان يومها، فشرعت تحكى له على عادة ما تحكى النساء لأزواجهنّ: كانت امرأة الأمير الفلانى صفتها كيت وكيت وكان عليها من القماش والزركش والمصاغ ما من صفته كذا وكذا، حتّى ذكرت الجميع وهى تطنب فى حسنهنّ وملبوسهنّ، قال: فتبسّم وقال لها: جميع من نظرتى خشدا شيّتك وأنتى ستّهم.
قلت: إنّما ذكرت هذه الواقعة قبل حكاية الشيخ عنه فى سبب سعادته ليعلم سعة سعادة هذا الرجل، ولقد أدركته بالمولد ورأيته وسأذكر ما سمعته عنه وعاينته منه بعد ما أذكر ما حكاه العدل عن سبب سعادته.
قال: كان هذا ابن الجبّاس أبوه صاحب جبّاسة بمصر وتوفّى وخلف هذا