غزير عقله وإن كانت مغمورة بأخلاق الحداثة. وقوله: كرم الله عزّ وجلّ لا ينقض حكمته؛ وكذلك لا يعجّل الإجابة في كلّ دعوة كما أنّ السيف جلاه أهون من طبعه كذلك استصلاح الصديق أهون من اكتساب غيره. وقوله: إذا استرجع الله تعالى مواهب الدنيا كانت مواهب الآخرة. وقوله: لولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب. وقوله: الحوادث الممضّة مكسبة لحظوظ (٢٦٨) جزيلة منها ثواب مدّخر وتطهير من ذنب وتنبيه من غفلة وتعريف بقدر النعمة ومرور على مقارعة الدهر.
ومن نثره الجاري في باب المرقص قوله: الأرض عروش مختالة في حلل الأزهار، متوّجة بأكاليل الأشجار، موشّحة بمناطق الأنهار. والجو خاطب لها قد جعل يسير بمخصرة البرق ويتكلّم بلسان الرعد، وينثر من القطر أبدع نثار.
وكان أحمد بن سعيد يؤدّبه في صغره فتحمّل البلاذري على قبيحة أم المعتز بقوم سألوها أن تأذن له أن يدخل على ابن المعتز وقتا من النهار فأجابت أو كادت تجيب؛ قال أحمد بن سعيد: فلمّا اتّصل الخبر بي جلست في منزلي غضبا لما بلغني من ذلك فكتب إليّ ابن المعتزّ وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة يقول (من البسيط):
أصبحت يا ابن سعيد حزت مكرمة ... عنها يقصّر من يحفى وينتعل
سربلتني حكمة قد هذّبت شيمي ... وأجّجت نار ذهني فهي تشتعل
أكون إن شئت قسّا في بلاغته ... أو حارثا وهو يوم الحفل يرتجل
وإن أشأ فكزيد في فرائضه ... أو مثل نعمان لمّا ضاقت الحيل
أو الخليل عروضيا أخا فطن ... أو الكسائيّ نحويا له علل
تعلو بداهة ذهني في مراكبنا ... كمثل ما عرفت آبائي الأول