إذا برم المولى بخدمة عبده ... تجنّى له ذنبا وإن لم يكن ذنب
وأعرض لمّا صار قلبي بملكه ... فهلاّ جفاني حين كان لي القلب
ويحكى أنّ سيف الدولة كان يوما جالسا والشعراء ينشدونه فتقدّم أعرابيّ رثّ الهيئة وأنشد يقول (من مجزوء الكامل):
أنت عليّ وهذه حلب ... قد نفد الزاد وانتهى الطلب
بهذه تفخر البلاد وبال ... أمير تزهى على الورى العرب
وعبدك الدهر قد أضرّ بنا ... إليك من جور عبدك الهرب
فقال سيف الدولة: أحسنت والله! وأمر له بمائتي دينار وراحلة.
كانت ولادته سابع عشر ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة. وقيل سنة إحدى وثلاثمائة. وتوفّي لخمس بقين من صفر سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة بمدينة حلب. وكان قد جمع من نفض الغبار الذي تجمّع عليه في غزواته شيئا وعمله لبنة بقدر الكفّ وأوصى أن يوضع خدّه عليها في لحده فنفّذت وصيته في ذلك. وملك حلب في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. وقيل: سنة اثنتين وثلاثين؛ انتزعها من أحمد بن سعيد الكلابي صاحب الإخشيد. وطالعت في بعض المجاميع أنّ أوّل (٣١٦) من ملك حلب من بني حمدن الحسين بن سعيد وهو أخو أبي فراس. فكان سيف الدولة قبل ذلك مالك واسط وتلك النواحي، وتقلّبت به الأحوال وانتقل إلى الشام وملك دمشق أيضا وكثيرا من بلاد الشام وبلاد الجزيرة. وغزواته مع الروم مشهورة، وللمتنبّي فيه وفي أكثر وقائعه قصائد مستفاضة على ألسنة الناس، وديوانه أشهر من أن يذكر. وسيأتي