قال جدع بن سنان رحمه الله: فقال الله تعالى وهو أعلم بما يكون وبما كان وما هو كائن: فاختاروا أيّتها الملائكة من بينكم من ينزل إلى الأرض فيحكم بين مخلوقاتى ويأخذ القصاص ممّن بغا من بغى عليه فإنّى لا أحبّ الظلم وأنا القوى العزيز! قال: فاختاروا من بينهم الملكين هاروت وماروت، وكانا أشدّاء أهل السموات السبع عبادة وأكثرهم (٢١٢) تسبيحا وتقديسا.
فكانا ينزلان إلى الأرض فيحكمان فيها بين مخلوقات الله عزّ وجلّ على اختلاف أنواعهم وتغاير أجناسهم وتباين خلقهم من عدّة أمم لا تحصى وخلائق لا تدرك فى البرّ والبحر، الجميع يفدون على هاروت وماروت ويحتكمون إليهما من خلق البرّ والبحر حتى إنّ الذرّة لتأتى إليهما وتقول: إن الذرّة مثلى غدت على قوت لى كنت قد ادّخرته لمشتاى فيحكمان بينهما بما ألهمها الله تعالى من فصل الخطاب، حتى إنّ السمكة الصغيرة تستغيث بهما من أذاء الكبيرة فيغيثاها ويمنعاها من أذاءها.
ولا يزالا كذلك طول نهارها إلى آخره فإذا جنحت الشمس للغروب نهضا وقالا: سبحانك اللهم وبحمدك، فيكون ذلك منتهى حكمهما ذلك اليوم، ثم يتليان أسماء الصعود فيصعدان إلى محلّ عبادتهما.
قال: فركّب الله تعالى فيهما حبّ الشهوة وأتت الزهرة تستغيثهما من حادث حدث عليها فامتحنا بها لمّا عايناها وعادا يردّدانها فى حكومتها ذلك اليوم أجمع وقد اشتغلا بها عن سائر الحكم بين الخلائق ولم يحكمان ذلك اليوم بين أحد من خلق الله عزّ وجلّ حتى نصراها على غريمها ومالا على غريمها وحكما عليه بغير الحقّ.
قال جدع بن سنان: فلمّا كان وقت صعودهما قالت لهما الزهرة وقد تحقّقت