وكان سبب فتحها أنّ أبا العباس بن إبراهيم الأمير الذى كان قبل زيادة الله متولّيا كان قد صالح أهلها. وكان من شروط الصلح أنّ من دخل من المسلمين إليهم وأراد الخروج من عندهم لا يمنعونه. ثم نمى إليه أنّ عندهم أسرى من المسلمين قد منعوهم الخروج. فاستفتى الفقهاء فى ذلك، ثم غزاها بجيش عدّته عشرة آلاف رجل عليهم أسد بن الفرات القاضى مع إبقائه على القضاء. فخرج فى شهر ربيع الأول سنة اثنتى عشرة ومئتين إلى سوسة، ثم عاد منها إلى صقلية فى جمع عظيم. فلما حصل بها زحف إليه ملكها واسمه ملاطة فى عسكر عظيم ذكر أنّ عدته مئة ألف وخمسون ألفا. ولما صافّهم المسلمون انقطعت عنهم الموادّ، ووقع فى عسكرهم الغلاء حتى أكلوا لحوم الخيل. فأتاه ابن قادم ومعه رهط من المسلمين فقال له: الرأى أن ترجع بالمسلمين إلى إفريقية، فسلامة رجل من المسلمين خير من الروم بأسرهم. فقال (ص ٢١): ما كنت لأكسر على المسلمين غزوة مثل هذه. فأبى عليه ابن قادم حتى همّ أسد بإحراق المراكب. فبدرت من ابن قادم كلمة على وجه الغلط فقال: على أقلّ من هذا قتل عثمان بن عفّان. فتناوله أسد بالسوط فقنعه أربعة، ثم أمر الناس بالزحف، وأخذ اللواء بيده وهو يرمز بقراءة (يس).
فلما فرغ منها قال للناس: أيّها الناس! لاتها بوهم، إنهم عبيدكم هربوا